الاحكام - ابن حزم - ج ٨ - الصفحة ١٠٥٨
من الناس. فصح ضرورة أنه فيما قد علم بوحي الله تعالى إليه أنه سيتم من ولاية أبي بكر، وذلك بين قوله صلى الله عليه وسلم في حديث عائشة الذي قد ذكرنا قبل: ويأبى الله والمؤمنون وروي أيضا والنبيون إلا أبا بكر فوضح البرهان بصحة قولنا يقينا. والحمد لله كثيرا.
وأما تتابع الوحي فإنما كان بلا شك تأكيدا في التزام ما نزل من القرآن قبل ذلك. ومثل ما روي من: * (إذا جاء نصر الله والفتح ئ ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا) * ونزول: * (واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون) * وآية الكلالة التي قد تقدم حكمها. فصح أنه لا تعارض بين شئ من هذه النصوص. والحمد لله رب العالمين.
فإن قالوا: فأرونا كل نازلة تنزل على ما تقولون في نص القرآن والسنة.
قلنا لهم: نعم، وبالله تعالى التوفيق، وهذا واجب علينا وأول ذلك: أن نقرر ما الديانة؟ وهي أن نقول:
إن أحكام الشريعة كلها - أولها عن آخرها - تنقسم ثلاثة أقسام لا رابع لها:
وهي فرض لا بد من اعتقاده، والعمل به مع ذلك، وحرام لا بد من اجتنابه قولا وعقدا وعملا، وحلال مباح فعله ومباح تركه. وأما المكروه والمندب إليه فداخلان تحت المباح على ما بينا قبل، لان المكروه لا يأثم فاعله، ولو أثم لكان حراما، ولكن يؤجر فاعله. والمندوب إليه لا يأثم تاركه، ولو أثم لكان فرضا، ولكن يؤجر فاعله.
فهذه أقسام الشريعة بإجماع من كل مسلم، وبضرورة وجود العقل في القسمة الصحيحة، إلى ورود السمع بها، فإذ لا شك في هذا، فقد قال الله عز وجل:
* (خلق لكم ما في الأرض جميعا) * وقال تعالى: * (وقد فصل لكم ما حرم عليكم إلا ما اضطررتم إليه) * فصح بهاتين الآيتين أن كل شئ في الأرض، وكمل عمل فمباح حلال، إلا ما فصل الله تعالى لنا تحريمه اسمه نصا عليه في القرآن، وكلام النبي صلى الله عليه وسلم المبلغ عن ربه عز وجل والمبين لما أنزل عليه. وفي إجماع الأمة كلها المنصوص على اتباعه في القرآن، وهو راجع إلى النص على ما بينا قبل، فإن وجدنا شيئا حرمه النص بالنهي عنه أو الاجماع باسمه حرمناه، وإن لم نجد شيئا منصوصا على
(١٠٥٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 1053 1054 1055 1056 1057 1058 1059 1060 1061 1062 1063 ... » »»
الفهرست