الاحكام - ابن حزم - ج ٨ - الصفحة ١١١٠
الباب التاسع والثلاثون في إبطال القول بالعلل في جميع أحكام الدين قال أبو محمد علي بن أحمد، رضي الله عنه:
ذهب القائلون بالقياس من المتحذلقين المتأخرين إلى القول بالعلل، واختلف المبطلون للقياس، فقالت طائفة منهم: إذا نص الله تعالى على أنه جعل شيئا ما سببا لحكم ما، فحيث ما وجد ذلك السبب وجد ذلك الحكم، وقالوا: مثال ذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ نهى عن الذبح بالسن: وأما السن فإنه عظم.
قالوا: فكل عظم لا يجوز الذبح به أصلا، قالوا: ومن ذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في السمن تقع فيه الفأرة: فإن كان مائعا فلا تقربوه قالوا: فالميعان سبب أن لا يقرب، فحيث ما وجد مائع حلت فيه نجاسة فالواجب ألا يقرب.
قال أبو محمد: وهذا ليس يقول به أبو سليمان رحمه الله، ولا أحد من أصحابنا، وإنما هو قول لقوم لا يعتد بهم في جملتنا كالقاساني وضربائه.
وقال هؤلاء: وأما ما لا نص فيه فلا يجوز أن يقال فيه: إن هذا لسبب كذا.
وقال أبو سليمان، وجميع أصحابه رضي الله عنهم: لا يفعل الله شيئا من الاحكام وغيرها لعلة أصلا بوجه من الوجوه، فإذا نص الله تعالى أو رسوله صلى الله عليه وسلم على أن أمر كذا لسبب كذا أو من أجل كذا، ولإن كان كذا أو لكذا، فإن ذلك كله ندري أنه جعله الله أسبابا لتلك الأشياء في تلك المواضع التي جاء النص بها فيها. ولا توجب تلك الأسباب شيئا من تلك الأحكام في غير تلك المواضع البتة، قال أبو محمد: وهذا هو ديننا الذي ندين به، وندعو عباد الله تعالى إليه، ونقطع على أنه الحق عند الله تعالى.
فأما الحديث الذي ذكروا في السن أنه عظم، فكل عظم ما عدا السن فالتذكية به جائزة، لان النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن عاجزا عما قدر عليه هؤلاء المتخرصون، ولو كانت الذكاة بالعظام حراما لما اقتصر صلى الله عليه وسلم على ذكر السن وحده، ولما رضي بهذا العي من ذكر شئ وهو يريد غيره، ولقال: ما أنهر الدم وفري الأوداج فكلوا ما لم يكن عظما أو ظفرا، وصح ضرورة أنه لو كانت العظمة
(١١١٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 1105 1106 1107 1108 1109 1110 1111 1112 1113 1114 1115 ... » »»
الفهرست