الاحكام - ابن حزم - ج ٨ - الصفحة ١١٢١
الحكم بعينه، بل يعصونه ويجيزونه ادخار لحوم الأضاحي ما شاء المرء من الدهور، وإن دفت الدواف أفلا يستحي من يبطل قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في نهيه إذا دفت دافة أن يدخر لحوم الأضاحي، أكثر من ثلاث ويستجيز خلافه في ذلك، من أن يحتج بذلك القول المطرح عنده في إثبات العلل الكاذبة لو أن الجوز باللوز إلى أجل لا يحل؟ إن هذا لخلق فاسد، منتج من رذائل جمة منها الجهل وقلة الحياء وقلة الورع وشدة العصبية، وقلة المبالاة بالصدق، وشدة الجور وقلة النصيحة والضعف والعقل، ونعوذ بالله من كل ذلك.
وأما نحن فنقول: إن النبي صلى الله عليه وسلم جعل السبب في النهي عن ادخار لحوم الأضاحي أكثر من ثلاث ليال أن دافة دفت بحضرة الأضحى، فإذا كان ذلك أبد الأبد حرم ادخار لحومها أكثر من ثلاث ليال، فإن لم تدف دافة بحضرة الأضحى فليدخل الناس لحومها ما شاؤوا، وانقيادا لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي لم يأت ما ينسخه، وهذا الذي قلنا به هو قول علي بن أبي طالب وعبد الله بن عمر، واحتجوا بقوله صلى الله عليه وسلم: إنما جعل الاذان من أجل البصر.
قال أبو محمد: وهذا موافق لقولنا لا لقولهم، لأننا لم ننكر وجود النص حاكما بأحكام ما لأسباب منصوصة، لكنا أنكرنا تعدي تلك الحدود إلى غيرها، ووضع تلك الأحكام في غير ما نصت فيه، واخترع أسباب لم يأذن بها الله تعالى.
وأيضا فهذا الحديث حجة عليهم، لأنهم أول عاص له أكثر أهل القياس، مخالفون لما في هذا الحديث، من أن من اطلع على آخر ففقأ المطلع عليه عين المطلع فلا شئ عليه.
وقالوا: إن قول المظاهر لامرأته: أنت علي كظهر أمي، لما كان منكرا من القول وزورا كان ذلك علة لوجوب الكفارة.
قال أبو محمد: وقد أبطلوا تعليلهم هذا فكفوا مؤنة أنفسهم، فأقروا أن قول المرأة لزوجها: أنت علي كظهر أمي، منكر من القول وزورا، ولم يوجب ذلك عليها الكفارة، وقال تعالى: * (ما جعل أزواجكم اللائي تظاهرون منهن أمهاتكم وما جعل أدعياءكم أبنائكم ذلكم قولكم بأفواهكم والله يقول الحق) * فسوى الله تعالى بين قول الرجل لامرأته، أنت علي كظهر أمي، وبين ادعائه ولد
(١١٢١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 1116 1117 1118 1119 1120 1121 1122 1123 1124 1125 1126 ... » »»
الفهرست