الاحكام - ابن حزم - ج ٨ - الصفحة ١٠٤٩
الاحكام في أصول الاحكام للحافظ أبى محمد علي بن حزم الأندلسي الظاهري هذا الكتاب النفيس، الذي لم تر العين مثيله في علم الأصول أحمد شاكر الجزء الثامن قوبلت على نسخة أشرف على طبعها الأستاذ العلامة أحمد شاكر رحمه الله الناشر زكريا على يوسف مطبعة العاصمة بالقاهرة - ت 23680 الجزء الثامن بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم فصل وهذا حين نأخذ في إبطال القياس بالبراهين الضرورية إن شاء.
قال أبو محمد: ويقال للقائلين بالقياس: أليس قد بعث الله عز وجل محمدا صلى الله عليه وسلم رسولا إلى الإنس والجن، فأول ما دعاهم إليه فقول لا إله إلا الله ورفض كل معبود دون الله تعالى، ومن وثن وغيره، وأنه رسول الله فقط لم يكن في الدين شريعة غير هذا أصلا، لا إيجاب حكم، ولا تحريم شئ؟. فمن قولهم وقول كل مسلم وكافر: نعم، هذا أمر لا شك فيه عند أحد، فإذ هذا لا خلاف فيه ولا شك فيه، ولا ينكره أحد، فقد كان الدين والاسلام لا تحريم فيه، ولا إيجاب، ثم أنزل الله تعالى الشرائع، فما أمر به فهو واجب، وما نهى عنه فهو حرام، وما لم يأمر به ولا نهى عنه فهو مباح مطلق، حلال كما كان، هذا أمر معروف ضرورة بفطرة العقول من كل أحد ففي ماذا يحتاج إلى القياس أو إلى الرأي؟. أليس من أقر بما ذكرنا ثم أوجب ما لا نص بإيجابه، أو حرم ما لا نص بالنهي عنه، قد شرع في الدين ما لم يأذن به الله تعالى؟ وقال ما لا يحل القول به؟ وهذا برهان لائح واضح وكاف لا معترض فيه.
ثم يقال لهم أيضا وبالله تعالى التوفيق: فماذا يحتاج إلى القياس؟ أفيما نص عليه الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم؟ أم فيما لم ينص عليه؟ فإن قالوا: فيما نص عليه، فارقوا الاجماع، وقاربوا الخروج عن الاسلام، لأنه لم يقل بهذا أحد، وهو مع ذلك قول لا يمكن أحد أن يقوله، لأنه لا قياس إلا على أصل يرد ذلك الفرع إليه، ولا أصل إلا نص أو إجماع، فصح على قولهم أن القياس إنما هو مردود إلى النص.
وإن قالوا: فيما لم ينص عليه، فقلنا وبالله تعالى التوفيق: قال الله تعالى:
* (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي) * وقال تعالى: * (ما فرطنا في الكتاب
(١٠٤٩)
الذهاب إلى صفحة: 1049 1050 1051 1052 1053 1054 1055 1056 1057 1058 1059 ... » »»
الفهرست