الاحكام - ابن حزم - ج ٨ - الصفحة ١٠٥٢
فهذا هو قولنا، والنص بعينه لم نزل عنه، وإما ألا يكون هنالك نص آخر ولا إجماع يبين بأحدهما مراد الله عز وجل من ذلك - فهذا إشكال وتلبيس، تعالى الله عن ذلك، ولا يحل لاحد أن ينسب هذا إلى شئ من دين الله تعالى، الذي قد بينه غاية البيان رسوله صلى الله عليه وسلم.
فإن قالوا: إن التشابه بين الأدلة هو أحد الأدلة على مراد الله تعالى.
قيل لهم: هذه دعوى تحتاج إلى دليل يصححها، وما كان هكذا فهو باطل بإجماع، ولا سبيل إلى وجود نص ولا إجماع يصحح هذه الدعوى، ولا فرق بينها وبين من جعل قول إنسان من العلماء بعينه دليلا على مراد الله تعالى في تلك المسألة، وكل هذا باطل وافتراء على الله تعالى.
وأيضا فإنهم في التشابه الموجب للحكم مختلفون، فبعضهم يجعل صفة ما علة لذلك الحكم، وبعضهم يمنع من ذلك ويأتي بعلة أخرى، وهذا كله تحكم بلا دليل.
وقد صحح بعضهم العلة بطردها في معلولاتها، وهذا تخليط تام، لان الطرد إنما يصح بعد صحة العلة، لان الطرد إنما هو فرع يوجبه صحة العلة، وإلا فهو باطل ومن المحال ألا يصح الأصل إلا بصحة الفروع.
وأيضا فإنهم إذا اختلفوا في طرد تلك العلة، فليس من طردها ليصححها بأولى ممن لم يطردها ليبطلها وطرد غيرها، وهذا كله تحكم في الدين لا يجوز، وذلك نحو طرد الشافعي علة الاكل في الربا، ومنع أبي حنيفة ومالك من ذلك، وطرد أبي حنيفة علة الوزن والكيل، ومنع مالك والشافعي من ذلك، وطرد مالك علة الادخار والاكل، ومنع أبي حنيفة والشافعي من ذلك.
فإن قالوا: فأرونا جمع النوازل منصوصا عليها.
قلنا لو عجزنا عن ذلك لما كان عجزنا حجة على الله تعالى، ولا على رسوله صلى الله عليه وسلم إذ لم ندع لكم - الواحد فالواحد منه - الإحاطة بجميع السنن، لكن حسبنا أننا نقطع بأن الله تعالى بين لنا كل ما يقع من أحكام الدين إلى يوم القيامة، فكيف ونحن نأتيكم بنص واحد فيه كل نازلة وقعت أو تقع إلى يوم القيامة، وهو الخبر الصحيح الذي ذكرناه قبل بإسناده وهو قوله صلى الله عليه وسلم:
دعوني ما تركتكم فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة مسائلهم واختلافهم على
(١٠٥٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « 1049 1050 1051 1052 1053 1054 1055 1056 1057 1058 1059 ... » »»
الفهرست