الاحكام - ابن حزم - ج ٨ - الصفحة ١١٢٠
الضلال المبين، فإذا رأوا سكرانا معربدا متلوثا في أقذاره وأهذاره، جعلوا يقولون في مثل هؤلاء حرمت الخمر نعوذ بالله من هذا القول، ومما سببه من التعليل الملعون.
واحتجوا بقوله تعالى: * (فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم) *.
قال أبو محمد: وهذه حجة عليهم لا لهم، لأننا نحن نظلم من بكرة إلى المساء، ولم يحرم علينا طيبات أحلت لنا، فصح أن الظلم ليس علة في تحريم الطيبات، ولا سببا له إلا حيث جعله الله تعالى بالنص سببا له فقط، لا فيما عدا ذلك المكان البتة.
واحتجوا بقوله تعالى: * (ليستيقن الذين أوتوا الكتاب ويزداد الذين آمنوا إيمانا) *.
قال أبو محمد: وهذا عليهم لان الحكم المذكور لم يوجب استيقان جميع أهل الكتاب، بل فيهم غير مستيقن، وفيهم من تمادى على شكه وإفكه وشركه، ولو كان علة لاستيقانهم لما وجد فيهم أحد غير مستيقن، فبطل ظنهم والحمد لله رب العالمين.
واحتجوا بقوله تعالى لموسى عليه السلام: * (اخلع نعليك إنك بالواد المقدس طوى) *.
قال أبو محمد: وهذا حجة عليهم لان الكون بالواد المقدس طوى لو كان علة لخلع النعال أو سببا له، لوجب علينا خلع نعالنا بالوادي المقدس وبالحرم وبطوى، فلما لم يلزم ذلك بلا خوف صح قولنا: إن الشئ إذا جعله الله سببا لحكم ما، في مكان ما، فلا يكون سببا إلا فيه وحده لا في غيره، فهذا كل ما راموا تبديله من وجهه من آيات القرآن، وقد أريناهم بعون الله تعالى، أنه كله حجة عليهم مبطل لقولهم بالتعليل الموجب عندهم للقياس، والحمد لله رب العالمين واحتجوا بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في نهيه عن ادخار لحوم الأضاحي أكثر من ثلاث: إنما فعلت ذلك من أجل الدابة.
قال أبو محمد: أحق الناس أن يستحي من الله تعالى عند ذكر هذا الحديث فأصحاب القياس القائلون بالعلل لأنهم يبطلون هذا السبب الذي يعدونه علة في المكان الذي ورد فيه، ولا يقيسون عليه شيئا أصلا نعم، ولا يأخذون بذلك
(١١٢٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 1115 1116 1117 1118 1119 1120 1121 1122 1123 1124 1125 ... » »»
الفهرست