الاحكام - ابن حزم - ج ٨ - الصفحة ١١١١
مانعة من الذبح لما هي فيه، لما كان لذكر السن معنى، ولكان تلبيسا لا بيانا، فوضح يقينا أن العظمة ليست ما من الذبح بالجرم الذي هي فيه، إلا أن يكون في سن فقط، وكذلك القول في الحديث الآخر ولا فرق.
والقائلون بخلاف قولنا قد تناقضوا في الحديث المذكور نفسه، ولم يعنونا في طلب تناقضهم إلى مكان بعيد، لكن أتوا إلى قوله صلى الله عليه وسلم في ذلك الحديث نفسه: وأما الظفر فإنه مدى الحبشة فكان يلزمهم - إذا جعلوا قوله صلى الله عليه وسلم فإنه عظم سببا مانعا من الذبح بكل عظم - أن يجعلوا قوله عليه السلام: وأما الظفر فإنه مدى الحبشة مانعا من التذكية بكل مدية كانت لحبشي، وهذا ما لا يقولونه، بل اقتصروا على المنع من الذبح بالظفر فقط. فلو فعلوا كذلك في السن فمنعوا من الذبح به ولم يتعدوه إلى سائر العظام لكان اهدى لهم، ولكن هكذا يتناقض أهل الخطأ.
وأما أصحاب مالك وأبي حنيفة، وهم المغلبون للقياس على نصوص القرآن والحديث في كثير من أقوالهم، فإنهم تركوا القياس ههنا جملة، فأجازوا الذبح بكل عظيم، لم يقنعوا بهذا إلا حتى تجاوزوا ذلك إلى تخصيص النص بلا دليل، فأجازوا الذبح بكل سن نزعت، واقتصروا على المنع من الذبح بالسن التي لم تنزع، وأجازوا الذكاة بكل ظفر قلع وهذا خطأ منهم. والناقص من الدين كالزائد فيه ولا فرق.
* (ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه) * فلو كان التعليل صوابا لكان ما له نص الله تعالى عليه ورسوله صلى الله عليه وسلم بأن جعله سببا للحكم أولى، عند كل من له مسكة عقل ودين، من علة يتكهنون في استخراجها بلا دليل فهم قد قلبوا ذلك كما ترى.
قال أبو محمد: وأما الصواب الذي لا يجوز غيره فهو أن السن والظفر لا يحل الذبح بهما ولا النحر، منزوعين كانا أو غير منزوعين، فأما ما عداهما، من عظم ومن مدي الحبشة أو غير ذلك مما يفري، فحلال الذبح به والنحر والتذكية.
فإن قالوا: إن الاجماع منعنا أن يطرد التعليل في مدي الحبشة في الحديث المذكور، قيل لهم وبالله تعالى التوفيق: قد ثبت الاجماع على صحة قولنا، وعلى إبطال التعليل، وإلا نتعدى السبب المنصوص عليه إلى ما لم ينص عليه، ولو كان التعليل حقا ما جاز وجود الاجماع بخلافه.
(١١١١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 1106 1107 1108 1109 1110 1111 1112 1113 1114 1115 1116 ... » »»
الفهرست