الاحكام - ابن حزم - ج ٨ - الصفحة ١١١٤
عن معمر قال: قلت لعبيد الله بن عمر: أعلمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أفاد بالقسامة؟ قال: لا. قلت: فأبو بكر؟ قال: لا. قلت: فعمر؟ قال: لا. قلت:
فيم تجترئون على ذلك، فسكت، قال: فقلت: ذلك لمالك؟ فقال: لا تضع أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم على الحيل ثم ذكر باقي الكلام.
قال أبو محمد: وهذا هو الحق الذي لا يجوز خلافه، وهذا مذهب الأئمة وكل من في قلبه إسلام، ثم يقع لهم الخطأ والوهلات التي لم يعصم منها بشر، فأتى هؤلاء الأوباش المقلدون فقلدوهم في خطئهم الذي لم ينتبهوا له، وعصوهم في الحقيقة التي ذكرنا من أن لا يحمل أمر النبي صلى الله عليه وسلم على الحيل.
قال أبو محمد: فإن ذكروا في ذلك مواصلة النبي صلى الله عليه وسلم بهم، وقد نهاهم عن الوصال؟ فليعلموا. أن ذلك كان منه عليه السلام صياما مقبولا، لان الوصال له مباح بالنص من قوله صلى الله عليه وسلم: لست كأحد منكم إني أبيت يطعمني ربي ويسقيني وكان منهم عقوبة لهم لا صياما، وهكذا في نص الحديث، أنه كان كالتنكيل بهم، وجائز للامام أن يمنع المرء الطعام اليوم والليلة، ومقدارا يدري أنه لا يبلغ به الموت على سبيل النكال، كما فعل صلى الله عليه وسلم. وبالله تعالى التوفيق.
ونحن إن شاء الله تعالى موردون مشاغب أصحاب العلل، على حسب ما التزمنا لجميع خصومنا، ومبينون، بحول الله واهب القوة لا إله إلا هو وعونه لنا إن شاء الله تعالى، تمويههم بها وحل شغبهم الفاسد، ثم موردون البراهين الضرورية الصادقة عن إبطال العلل جملة، إن شاء الله تعالى وبه نعتصم.
احتج القائلون بالعلل بآيات ظاهرها كون بعض الأحكام من أجل بعض الأحوال، فمن ذلك قول الله عز وجل وقد ذكر قتل أحد ابني آدم عليه السلام لأخيه:
* (من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا) *.
قال أبو محمد: فيقال لهم وبالله تعالى التوفيق. هذا أعظم حجة عليكم، لان الله تعالى لم يلزم هذا الإصر غير بني إسرائيل فقط، ولو أن ذلك علة مطردة كما يدعوا للزم جميع الناس.
فإن قالوا: هو لازم لجميع الناس، سألناهم ما تقولون في جميع الكبائر
(١١١٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 1109 1110 1111 1112 1113 1114 1115 1116 1117 1118 1119 ... » »»
الفهرست