الاحكام - ابن حزم - ج ٨ - الصفحة ١٠٦٠
على النهي عنه بنص أو إجماع فهو حرام، وسمعا وطاعة، ومن أراد استباحته حينئذ فهو آثم كاذب عاص، وإن تأت على النهي عنه بنص ولا إجماع فأنت كاذب، وذلك الشئ ليس حراما.
فهل في العالم حكم يخرج عن هذا؟ فصح أن النص مستوعب لكل حكم يقع أو وقع إلى يوم القيامة، ولا سبيل إلى نازلة تخرج عن هذه الأحكام الثلاثة، وبالله تعالى التوفيق.
ثم قد جاءت الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بمثل ما جاءت به هذه الآيات، كما حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله الهمذاني، ثنا أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد البلخي، ثنا محمد بن يوسف، ثنا محمد بإسماعيل، ثنا إسماعيل هو ابن أبي أويس، ثنا مالك ابن أنس، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: دعوني ما تركتكم إنما هلك من كان قبلكم بسؤالهم واختلافهم على أنبيائهم فإذا نهيتكم عن شئ فاجتنبوه وإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم.
قال أبو محمد: فهذا حديث جامع لكل ما ذكرنا، بين فيه صلى الله عليه وسلم أنه إذا نهى عن شئ فواجب أن يجتنب، وأنه إذا أمر بأمر فواجب أن يؤتى منه حيث بلغت الاستطاعة، وأن ما لم ينه عنه، ولا أمر به، فواجب ألا يبحث عنه في حياته عليه السلام، وإذ هذه صفته ففرض على كل مسلم ألا يحرمه ولا يوجبه، وإذا لم يكن حراما، ولا واجبا، فهو مباح ضرورة، إذ لا قسم إلا هذه الأقسام الثلاثة، فإذا بطل منها اثنان وجب الثالث، ولا بد ضرورة، وهذه قضية النص، وقضية السمع، وقضية العقل التي لا يفهم العقل غيرها، إلا الضلال والكهانة والسخافة التي يدعيها أصحاب القياس أنهم يفهمون من الوطئ الاكل ومن الثمر الجلوز ومن قطع السرقة مقدار الصداق، وحسبنا الله ونعم الوكيل.
ثم نعكس عليهم سؤالهم فنقول لهم: إذا جوزتم وجود نوازل لا حكم لها في قرآن ولا سنة، فقولوا لنا: ماذا تصنعون فيها؟ فهذا لازم لكم وليس يلزمنا، لان هذا عندنا باطل معدوم لا سبيل إلى وجوده أبدا، فأخبرونا إذا وجدتم تلك النوازل أتتركون الحكم فيها؟ فليس هذا قولكم، أم تحكمون فيها؟ ولا سبيل
(١٠٦٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 1055 1056 1057 1058 1059 1060 1061 1062 1063 1064 1065 ... » »»
الفهرست