الاحكام - ابن حزم - ج ٦ - الصفحة ٧٥١
الرعونة، فما كانوا يلتفتون إلى أمر الله تعالى، ولا يؤمنون به، فظهر يقين فساد قولهم وتمويههم بهذه الآية.
وقالوا: إنما منعنا من نكح في العدة ودخل بها أن ينكحها في الأبد، لأنه استعجل نكاحها قبل أوانه، قالوا: وكذلك حرمنا القاتل الميراث لأنه استعجله قبل أوانه.
قال على: وهذه علة مفتقرة إلى ما يصححها، لأنها دعوى فاسدة ويقال لهم:
ومن أين لكم أن من استعجل شيئا قبل أوانه حرم عليه في الأبد؟ ثم لم يلبثوا أن تناقضوا أسخف تناقض فقالوا: من تزوج امرأة ذات زوج فدخل بها، فأتى زوجها لم تحرم عليه في الأبد، بل له نكاحها إن طلقها زوجها أو مات عنها. وهو قد استعجله قبل أوانه، ويلزمهم أن من سرق مالا لغيره أن يحرم عليه في ملكه في الأبد، لأنه استعجله قبل وقته، وأن من قتل آخر أو تحرم عليه أمته في الأبد، لأنه استعجل تحللها قبل أوانه، ويلزمهم أيضا ألا يرث ولاء موالي من قتل، لأنه استعجل استحقاقه قبل أوانه، وأن من قتل لا يدخل في حبس معقب عليه بعد موت مقتوله، وألا يرث من انتقل التعصيب له إليه بعد موت مقتوله، وهذا كثير جدا. فإن قالوا: قد يمكن أن يموت هو قبل مقتوله، قلنا: وقد يموت هو قبل موت مقتوله باعتباط ونحو ذلك ولا فرق.
وأصحاب مالك يلزمون الطلاق ثلاثا من يشك أطلق ثلاثا أم أقل، ويفرقون بين من طلق إحدى امرأتيه، ثم لم يدر أيتهما المطلقة وبينهما معا، فيطلقون كلتا امرأتيه ويحرمون حلالا كثيرا خوف مواقعة الحرام، وفي هذا عبرة لمن اعتبر، ليت شعري كما تشفقون في الاستباحة من مواقعة الحرام أما تشفقون في قطعهم بالتحريم وبالتفريق من مواقعة الحرام في تحريمهم ما لم يحرمه الله تعالى؟ وقد علم كل ذي دين أن تحريم المرء ما لم يصح تحريمه عنده حرام عليه، فقد وقعوا في نفس ما خافوا بلا شك، ومن العجيب أن خوف الحرام أن يقع فيه غيرهم - ولعله لا يقع فيه - قد أوقعهم يقينا في مواقعتهم يقين الحرام، لأنهم حرموا ما لم يحرمه الله تعالى، ومحرم الحلال كمحلل الحرام ولا فرق.
والعجب كل العجب أنهم يحتاطون بزعمهم على هذا الذي جهل أي امرأتيه طلق خوف أن يواقع التي طلق وهو لا يعلمها، فيكون قد أوقع حراما لا يعلمه
(٧٥١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 746 747 748 749 750 751 752 753 754 755 756 ... » »»
الفهرست