الاحكام - ابن حزم - ج ٦ - الصفحة ٧٥٦
ولا سبيل إلى أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم يأمر عقبة بأن يدع زوجه وينهاه عنها بالظن الذي قد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه أكذب الحديث، هذا ما لا يظنه مسلم بالنبي صلى الله عليه وسلم لا سيما في الفراق بين الزوجين، الذي عظمه الله تعالى بقوله عز وجل واصفا للسحرة * (فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه) * فإذ قد بطل أن يكون حديث الأمة السوداء شهادة أو حكما بالظن فلم يبق إلا أنه خبر صدقه النبي صلى الله عليه وسلم وعلم صحته فقضى به، قيل له: أما قولك: لم تؤده عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد أدى شهادتهما بذلك، وقولها إليه صلى الله عليه وسلم الثقة وهو المقول له ذلك وشهادة واحد على شهادة واحدة عندنا جائزة.
وأما قولك: أنه صلى الله عليه وسلم قال: شهادة المرأة نصف شهادة الرجل فنعم وهو عليه السلام القائل لما ذكرت، وهو القائل لعقبة بن الحارث: دعها عنك فهو صلى الله عليه وسلم أمره بفراقها بشهادة السوداء، فالمرأة الواحدة مقبولة في هذا المكان بهذا الحديث، وأما في سواه فامرأتان مقام رجل بالنص الآخر الذي ذكرت، ولا يحل ترك أحدهما للآخر.
هذا على أن المالكيين الحاكمين باحتياط وقطع الذرائع في العظائم التي لم يأذن بها الله تعالى لا يحكمون بقول امرأة لزوج وامرأته: إني قد أرضعتكما، ولا يفرقون بينهما بذلك، فهم يخالفون النصوص كما ترى حيث كان يكون لهم فيه متعلق، ويفرقون بالاحتياط حيث لم يأت فيه نص يتعلق به متعلق وبالله التوفيق.
فإن احتجوا بما حدث أبو العباس أحمد بن عمر بن أنس العذري، أنا الحسن بن أحمد بن فراس، ثنا أحمد بن محمد بن سهل المعروف ببكير بن الحداد، ثنا أبو مسلم إبراهيم بن عبد الله الكجي، ثنا عمرو بن محمد العثماني، ثنا إسماعيل بن أبي أويس، عن حسين بن عبد الله بن ضميرة، عن أبيه عن جده، عن تميم الداري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: كل مشكل حرام وليس في الدين إشكال فهذا حديث لا تقوم به حجة لضعف سنده، لان حسين بن عبد الله ضعيف، وأبوه وجده غير مشهورين في أصحاب النقل.
وأما كل أشياء أو شيئين أيقنا أن فيهما حراما لا نعلمه بعينه فحكمهما التوقف أو ترك التوقف، على ما قد قسمناه في غير هذا الموضع، حتى يتبين الحرام
(٧٥٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 751 752 753 754 755 756 757 758 759 760 761 ... » »»
الفهرست