الاحكام - ابن حزم - ج ٦ - الصفحة ٧٥٢
بعينه، ولا يتقون الله تعالى فيحتاطون على أنفسهم التي أمروا بالاحتياط عليها وقال لهم ربهم تعالى: * (عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم) * فيحرمون عليه الثانية التي هي امرأته بلا شك، ولم يطلقها قط فيخرجونها عن ملكه بغير إذن من الله تعالى، ويبيحون فرجها لمن لا شك في أنه حرام عليه من سائر من يتزوجها من الناس، وهي غير مطلقة ولا منفسخة ولا متوفى عنها، فيقعون في أعظم مما صانوا عنه غيرهم، لان الشاك في الطلاق لو واقع ذلك الحرام لكان غير آثم، لأنه لا يعلمه حراما بعينه، وهم يبيحون شيئا لا شك في أنه حرام غير مباح، وقد كان الأولى بهم ألا يقدموا على إباحة المرأتين اللتين لم يطلق إحداهما بلا شك للأجنبيين، فصاروا محلين للفروج المحرمة بيقين.
وأيضا فإنهم حكموا بالطلاق على امرأة لم تطلق من أجل غيرها طلقت والله تعالى يقول: * (ولا تكسب كل نفس إلا عليها ولا تزر وازرة وزر أخرى) * ولا يحل لاحد أن يحتاط في الدين فيحرم ما لم يحرم الله تعالى، لأنه يكون حينئذ مفتريا في الدين، والله تعالى أحوط علينا من بعضنا على بعض، فالفرض علينا أن لا نحرم إلا ما حرم الله تعالى، ونص على اسمه وصفته بتحريمه، وفرض علينا أن نبيح ما وراء ذلك بنصه تعالى على إباحة ما في الأرض لنا، إلا ما نص على تحريمه، وألا نزيد في الدين شيئا لم يأذن به الله تعالى، فمن فعل غير هذا فقد عصى الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم وأتى بأعظم الكبائر.
ثم عطفوا فأسقطوا الاحتياط وتعمدوا إلى إسقاط الواجب في رجل شهد عليه أربعة عدول، بأنه أعتق خادمه هذه منذ عام كامل، وهو منكر لذلك، وهو مقر بوطئها، فيحكمون بشهادتهم، حين أدائها، ولا يحدونه على وطئ حرة بلا إنكاح، فهذا غاية الاقدام على المحرمات فأين الاحتياط؟ والعجب أنهم يكذبون الشهود إذ لم يحكموا بنص شهادتهم، ولم يشهد القوم بأنها حررت الآن، وإنما شهدوا أنها حررت منذ عام. وكانوا غيبا إلى اليوم، وفي هذا من السقوط والاقدام غير قليل، ويقال لمن جعل الاحتياط أصلا يحرم به ما لم يصح بالنص تحريمه أنه يلزمك أن يحرم كل مشتبه يباع في السوق مما يمكن أن يكون حراما أو حلالا،
(٧٥٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 747 748 749 750 751 752 753 754 755 756 757 ... » »»
الفهرست