الاحكام - ابن حزم - ج ٦ - الصفحة ٧٥٠
بذبائح لا ندري أسموا الله تعالى عليها أم لا؟، فقال عليه الصلاة والسلام: سموا الله وكلوا أو كلاما هذا معناه، يرفع الاشكال جملة في هذا الباب.
وقد روي أنه صلى الله عليه وسلم أمر في من أطعمه أخوه شيئا أن يأكل، ولا يسأل، فنحن نحض الناس على الورع كما حضهم النبي صلى الله عليه وسلم ونندبهم إليه، ونشير عليه باجتناب ما حاك في النفس، ولا نقضي بذلك على أحد ولا نفتيه به فتيا إلزام، كما لم يقض بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم على أحد.
وقد احتج بعضهم في هذا بقول الله تعالى: * (لا تقولوا راعنا وقولوا انظرنا) * قالوا: فنهوا عن لفظة * (راعنا) * لتذرعهم بها إلى سب النبي صلى الله عليه وسلم.
قال أبو محمد: وهذا لا حجة لهم فيه، لان الحديث الصحيح قد جاء بأنهم كانوا يقولون: راعنا من الرعونة، وليس هذا مسندا، وإنما هو قول لصاحب ولم يقل الله تعالى ولا رسوله صلى الله عليه وسلم: إنكم إنما نهيتم عن قول راعنا لتذرعكم بذلك إلى قول راعنا، وإذا لم يأت بذلك نص عن الله تعالى، ولا عن رسوله صلى الله عليه وسلم في قول أحد دونه.
وقد قال بعض الصحابة في الحمر، إنما حرمت لأنها كانت حمولة الناس، وقال بعضهم: إنما حرمت لأنها كانت تأكل القذر، وكلا القولين غير صواب، لان الدجاج تأكل من القذر ما لا تأكل الحمير، ولم يحرم قط صلى الله عليه وسلم الدجاج والناس كانوا أفقر إلى الخيل للجهاد منهم إلى الحمير، وقد أباح صلى الله عليه وسلم أكل الخيل في حين تحريمه الحمير، فبطل كلا القولين. وهكذا من قال: إن الله تعالى إنما نهى عن قول: * (وقولوا) * لئلا يتذرعوا بها إلى قول راعنا، فلا حجة في قوله، لأنه أخبر عما عنده، ولم يسند ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهذه الآية حجة عليهم لا لهم، لأنهم إذ نهوا عن راعنا، وأمروا بأن يقولوا * (واسمعوا) *، ومعنى اللفظين واحد، فقد صح بلا شك أنه لا يحل تعدي ظواهر الأوامر بوجه من الوجوه، وهذه حجة قوية في إبطال القول بالقياس وبالعلل، وبالله تعالى التوفيق.
وأيضا فإنما أمر الله تعالى في نص القرآن بأن لا يقولوا: * (وقولوا) * وأن يقولوا * (انظرنا) * المؤمنين الفضلاء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم المعظمين له، الذي لم يعنوا بقول: * (راعنا) * قط الرعونة، وأما المنافقون الذين كانوا يقولون: * (راعنا) * يعنون من
(٧٥٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « 745 746 747 748 749 750 751 752 753 754 755 ... » »»
الفهرست