الاحكام - ابن حزم - ج ٦ - الصفحة ٧٤٩
أبيه، عن النواس بن سمعان الأنصاري قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول عن البر والاثم قال: البر حسن الخلق والاثم ما حاك في صدرك وكرهت أن يطلع عليه الناس. وبما حدثناه أحمد بن محمد الجسوري، ثنا أحمد بن الفضل الدينوري، ثنا محمد بن جرير الطبري، حدثني محمد بن عوف الطائي، ثنا محمد بن إسماعيل، ثنا أبي، ثنا ضمضم، عن شريح بن عبيد قال: زعم أيوب بن مكرز أن غلاما من الأزد قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أتاه يسأله عن الحرام والحلال، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الحلال ما اطمأنت إليه النفس وإن الاثم ما حاك في صدرك وكرهته أفتاك الناس ما أفتوك. فالأول فيه معاوية بن صالح بالقوي، وفي الثاني مجهولون وهو منقطع أيضا، ومعاذ الله أن يكون الحرام والحلال على ما وقع في النفس، والنفوس تختلف أهواؤها، والدين واحد لا اختلاف فيه، قال الله تعالى: * (ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا) *.
ومن حرم المشتبه وأفتى بذلك وحكم به على الناس فقد زاد في الدين ما لم يأذن به الله تعالى، وخالف النبي صلى الله عليه وسلم واستدرك على ربه تعالى بعقله أشياء من الشريعة.
ويكفي من هذا كله إجماع الأمة كلها نقلا عصرا عن عصر أن من كان في عصره عليه السلام وبحضرته في المدينة إذا أراد شراء شئ مما يؤكل، أو ما يلبس، أو يوطأ، أو يركب، أو يستخدم، أو يتملك أي شئ كان، أنه كان يدخل سوق المسلمين أو يلقى مسلما يبيع شيئا ويبتاعه منه، فله ابتياعه ما لم يعلمه حراما بعينه، أو ما لم يغلب الحرام عليه غلبة يخفي معها الحلال ولا شك أن في السوق مغصوبا ومسروقا ومأخوذا بغير حق، وكل ذلك قد كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم إلى هلم جرا، فما منع النبي صلى الله عليه وسلم من شئ من ذلك، وهذا هو المشتبه نفسه، وقوله صلى الله عليه وسلم إذ سأله أصحابه رضي الله عنهم فقالوا: إن أعرابا حديثي عهد بالكفر يأتوننا
(٧٤٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « 745 746 747 748 749 750 751 752 753 754 755 ... » »»
الفهرست