الاحكام - ابن حزم - ج ٦ - الصفحة ٧٤٦
يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن الحلال بين وإن الحرام بين وإن بين ذلك أمورا مشتبهات، وسأضرب لكم في ذلك مثلا، إن الله عز وجل ذكره حمى، وإن حمى الله ما حرم، وإنه من يرتع حول الحمى يوشك أن يرع فيه وإنه من يخالط الريبة يوشك أن يجسر. قال أبو محمد: هذا هو أبو فروة الأكبر، وأما أبو فروة الأصغر فهو مسلم بن سالم الجهني وكلاهما كوفي ثقة.
فهذا حض منه صلى الله عليه وسلم على الورع، ونص جلي على أن ما حول الحمى ليست من الحمى، وأن تلك المشتبهات ليست بيقين من الحرام، وإذا لم تكن مما فصل من الحرام فهي على حكم الحلال بقول تعالى: * (وقد فصل لكم ما حرم عليكم) * فما لم يفصل فهو حلال بقوله تعالى: * (هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا) * وبقوله صلى الله عليه وسلم: أعظم الناس جرما في الاسلام من سأل عن شئ لم يحرمه فحرم من أجل مسألته. وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رويناه آنفا من طريق أبي فروة عن الشعبي، أن هذا إنما هو مستحب للمرء خاصة فيما أشكل عليه وأن حكم من استبان له الامر بخلاف ذلك.
وكذلك بين رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي روينا آنفا من طريق ابن عون عن الشعبي بيانا جليا أن المخوف على من واقع الشبهات إنما هو أن يجسر بعدها على الحرام، فصح بهذا البيان صحة ظاهره، أن معنى رواية زكريا عن الشعبي التي يقول فيها: وقع في الحرام أنه إنما هو على معنى آخر وهو كل فعل أدى إلى أن يكون فاعله متيقنا أنه راكب حرام في حالته تلك، وذلك نحو ماءين كل واحد منها مشكوك في طهارته، متيقن نجاسة أحدهما بغير عينه، فإذا توضأ بهما جميعا كنا موقنين بأنه إن صلى صلى وهو حامل نجاسة، وهذا ما لا يحل، وكذلك القول في ثوبين أحدهما نجس بيقين لا يعرف بعينه، وسائر ألفاظ من ذكرنا على ما لا يتيقن فيه تحريم ولا تحليل. وأما ما يوقن تحليله فلا يزيله الشك عن ذلك، ولا معنى لقول من قال هذا على المقاربة كما قال الله تعالى: * (فإذا بلغن أجلهن إذ لا خلاف في أن معنى هذا ليس في انقضاء العدة، لكن إذا بلغ أجل العدة من الطلاق. وهذا هو الذي لا يجوز غيره، إذ لا يجوز صرف الآية عن ظاهرها بالدعوى.
(٧٤٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « 745 746 747 748 749 750 751 752 753 754 755 ... » »»
الفهرست