الاحكام - ابن حزم - ج ٦ - الصفحة ٧٤٨
ما لا بأس به هو المباح فعله، فكان على هذا الظن الفاسد يكون المباح محظورا، وهذا فاسد لا يظن أن النبي صلى الله عليه وسلم يقوله إلا جاهل أو كافر، لأنه ينسب إلى النبي صلى الله عليه وسلم إباحة الشئ للناس، ونهيهم عنه في وقت واحد، وهذا محال لا يقدر عليه أحد قال الله تعالى: * (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها) * وليس استباحة الشئ وإيجاب الامتناع منه في وقت واحد في وسع أحد، فالله تعالى قد أكذب من ظن هذا الظن.
وصح أن معنى هذا الحديث - لو صح - إنما هو على الحض لا على الايحاب.
فلو كان المشتبه حراما، وفرضا تركه، لكان النبي صلى الله عليه وسلم قد نهى عنه، ولكنه عليه السلام لم يفعل ذلك، لكنه حض على تركه وخاف على مواقعه أن يقدم على الحرام، ونظر ذلك صلى الله عليه وسلم بالراتع حول الحمى، فالحمى هو الحرام، وما حول الحمى ليس من الحمى، والمشتبهات ليس من الحرام، وما لم يكن حراما فهو حلال وهذا في غاية البيان، وهذا هو الورع الذي يحمد فاعله ويؤجر ولا يذم تاركه ولا يأثم، ما لم يواقع الحرام البين.
وأما حديث عطية السعدي الذي ذكرنا آنفا، فلا يظن أن فيه حجة لمن قال بالاحتياط وقطع الذرائع، لان النبي صلى الله عليه وسلم لم يبين فيه الشئ الذي ليس به بأس، الذي لا يكون العبد من المتقين إلا بأن يدعه، فلو كان هذا الحديث صحيحا وعلى ظاهره لوجب به أن يجتنب كل حلال في الأرض، لان كل حلال فلا بأس به. ولا يحص في ذلك الحديث أي الأشياء التي لا بأس بها لا يكون العبد من المتقين لا بأن يدعها، فظهر وهي تلك الرواية وفيه أبو عقيل وليس بالمحتج به، وصح أنه لو صح لكان على الورع فقط.
فإن تعلقوا بما حدثنا عبد الله بن يوسف، ثنا أحمد بن فتح، ثنا عبد الوهاب بن عيسى، ثنا أحمد بن محمد، ثنا أحمد بن علي، ثنا مسلم بن الحجاج، ثنا محمد بن حاتم بن ميمون، ثنا عبد الرحمن بن مهدي، ثنا معاوية بن صالح، عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير، عن
(٧٤٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « 745 746 747 748 749 750 751 752 753 754 755 ... » »»
الفهرست