الاحكام - ابن حزم - ج ٦ - الصفحة ٧٤٧
ومن روى في حديث النعمان الذي ذكرنا لفظه أوشك فهو زائد على ما رواه زكريا فزيادة العدل مقبولة، فكيف وقد زاد هذه اللفظة ومعناها من هو أجل من زكريا ومثله، وهما ابن عون وأبو فروة، وبهذا تتألف الأحاديث وطرقها، ويصح استعمال جميع أقوال الرواة، وبالله تعالى التوفيق.
فإن تعلقوا بما حدثناه صاحبنا أحمد بن عمر بن أنس العذري قال: أنا أحمد بن علي الكسائي بمكة، أنا أبو الفضل العباس بن محمد بن نصر الرافقي، ثنا هلال بن العلاء الرقي، ثنا إبراهيم بن سعيد، ثنا أبو النضر، ثنا أبو عقيل، عن عبد الله بن يزيد الدمشقي، عن ربيعة بن يزيد، وعطية بن قيس كلاهما، عن عطية السعدي، وكانت له صحبة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يبلغ العبد أن يكون من المتقين حتى يدع ما لا بأس به حذرا لما به بأس. فالقول في هذا الحديث كالقول في حديث النعمان سواء بسواء، وإنما هو حض لا إيجاب. وقد علمنا أن من لم يجتنب المتشابه وهو الذي لا بأس به، فليس من أهل الورع، وأهل الورع هم المتقون، لان المتقين جمع متق، والمتقي الخائف، ومن خاف مواقعة الحرام فهو الخائف حقا.
ولعمري إن أولى الناس ألا يحتج بهذا الحديث من يرى قول الله تعالى:
* (وللمطلقات متاع بالمعروف حقا على المتقين) * ليس فرضا، بل قالوا: المتعة ليست بواجبة، فقد صرحوا بأن كون المرء من المتقين ليس عليه بواجب، لا سيما وفي هذا الحديث معنى الحض لا الايجاب، وفي الآية التي تلونا لفظ معنى الفرض بقوله تعالى: * (حقا على المتقين) * وكل مسلم لفظ بالتوحيد اتقى النار فهو متق، إلا أن لفظ المتقين لا يطلق إلا على المستكملين لدرجة الخوف. كما أن من صلح في فعلة واحدة من أفعاله فهو صالح، ومن فعل فضلا فهو به فاضل، إلا أنه بلا خلاف لا يطلق على المرء اسم صالح وفاضل إلا بعد أن يبلغ الغاية التي تمكنه من الطاعات والورع.
ومعاذ الله أن يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم الكلام المذكور إلا على هذا الوجه - هذا إن صح عنه لأنه لو كان ظن خصومنا في هذا الحديث حقا لكان نصه عليه السلام على ترك ما لا بأس به أعظم الحكم بأنه من أعظم الناس، لان
(٧٤٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « 745 746 747 748 749 750 751 752 753 754 755 ... » »»
الفهرست