الاحكام - ابن حزم - ج ٦ - الصفحة ٧٥٣
ولا توقن بأنه حلال ولا بأنه حرام، ويلزمك أن تحرم معاملة من في ماله حرام وحلال، وهم لا يقولون بشئ من ذلك، وهذا نقض لأصولهم في الحكم بالاحتياط، ورفع الذريعة والتهمة، وقد تناقضوا في هذه المواضع.
وقال بعضهم محتجا لأصولهم في الحكم بالاحتياط: إن الحرام يدخل بأرق سبب كتحريم الله تعالى نكاح ما نكح الآباء، فحرم ذلك بالعقد، وإن لم يكن وطئ قالوا: وأما التحليل فلا يدخل إلا بأقوى الأسباب، كتحليل المطلقة لزوجها ثلاثا تحل له بعقد زوج آخر حتى يطأ.
قال أبو محمد: وهذا لا حجة لهم فيه، وإنما اتبعنا في كلا الموضعين النصين الواردين فيهما، وقولهم إن التحريم يدخل بأرق سبب والتحليل لا يدخل إلا بأغلظ سبب، قول فاسد لا دليل عليه، لأنه لم يأت به نص ولا اتفق على صحته، ونحن نوجدهم تحريما لا يدخل بأغلظ سبب، وهو أن الله تعالى حرم الربيبة التي دخل المرء بأمها، وكانت في حجره فالربيبة لا تحرم إلا بما نص الله على تحريمها به، ووجدناها باتفاق منا ومنهم لا تحرم بالعقد على أمها فقط.
ووجدنا التحليل في الايمان المغلظة المعظمة باسم الله تعالى يدخل بإطعام عشرة مساكين، أو بالاستثناء الذي هو كلمات يسيرة لا مؤونة فيها، فإن قالوا: إنما وجب هذان الحكمان بالنص، قلنا لهم: وكذلك تحريم ما نكح الآباء وتحليل المطلقة ثلاثة بوطئ زوج آخر، إنما وجبا بالنص لا بما ادعيتم من رقة سبب وغلظة.
ووجدنا النبي صلى الله عليه وسلم قد حرم على نفسه ما أحل الله تعالى له، فلم يحرم عليه بذلك. ولا أغلظ من تحريم النبي صلى الله عليه وسلم، فلم يدخل التحريم بذلك، إذ لم يكن نزل بذلك عليه نص، وتحلل من تلك اليمين بكفارة، فدخل التحليل بأرق سبب وأهونه، فبطل ما ادعوا من ذلك.
وأيضا فإن حجتهم بأن المطلقة لا تحل لزوجها الأول إلا بأغلظ سبب ثم أباحوها. بالوطء دون الانزال، فقد نقضوا أصولهم في ذلك، وأدخلوا التحليل بسبب رقيق، لان الحسن البصري وهو أحد الأئمة يقول: لا تحل للأول إلا بأن يطأها الثاني، وينزل وإلا فلا، وجعل الانزال تمام ذوق العسيلة، وهم لا يقولون بذلك.
(٧٥٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 748 749 750 751 752 753 754 755 756 757 758 ... » »»
الفهرست