الاحكام - ابن حزم - ج ٦ - الصفحة ٧٦١
بعضا. فإذا شهد بعض القياس عندكم بإبطال بعض قياس آخر، فنوع القياس كله متفاسد، مبطل بعضه بعضا، فهو كله باطل.
فإن قالوا: إن الحديث ينقض بعضه بعضا، وكذلك الآي على سبيل النسخ وكذلك النظر، وليس ذلك دليلا على بطلان جميع القرآن والحديث والنظر.
قال أبو محمد: فنقول لهم، وبالله تعالى التوفيق: هذا تمويه شديد، ولا يجوز أن تبطل آية آية أخرى، ولا حديث حديثا آخر، إلا من طريق النسخ، أو يكون أحد الحديثين ضعيف النقل، فليس داخلا حينئذ فيما أمرنا بطاعته وكذلك النظر، لان النظر الصحيح إنما هو البرهان، وإنما تأتي أغاليط وشبه بظن قوم أنها برهان، وليست برهانا فليس هذا داخلا في النظر، وليس ما قلتم في القياسين من هذا الباب في شئ، لان القياس ليس فيه ناسخ ولا منسوخ، ولا قلتم: إن أحد القياسين مموه ليس قياسا، بل قلتم: هما معا قياس، فاستحسنا أدقهما، فتركتم أحد القياسين وأبطلتموه، وأنتم تقرون أنه قياس وإذا كان بعض النوع باطلا فهو كله باطل، ولا يجوز أن يجمع الحق والباطل نوع واحد أبدا.
ولا يظن القائلون بإبطال الاستحسان، الهاربون إلى القول بترجيح العلل وتغليب كثرة الأشباه، أنهم يتخلصون من هذا الالزام بما فزعوا إليه، لأنهم على كل حال قد أبطلوا العلة المرجح عليها الأخرى، وأبطلوا حكم الأشباه القليلة، ولم يوجبوا بها حكما، ولا صححوا بها قياسا بل حكموا بأن العلل يبطل بعضها بعضا، وأن بعض الأشباه لا يحكم به، ولا من أجله بحكم واحد، ولا يوجب الاشتباه اتفاقا في الحكم فقد بطل الحكم بالتشابه وبالعلل، وبطل بذلك القول بالقياس جملة، لان كل طريق من الجدال أبطل بعضه بعضا، وكذب بعضه بعضا وتناقض وتفاسد - فهو كله فاسد باطل، والحق لا يعارض الحق أبدا، ولا يقوم دليل على صحة ضدين في معنى واحد أبدا.
وقد اعترف مالك رحمه الله بالحق في هذا، وبرئ ممن قلده، كما حدثنا رجل من أصحابنا اسمه عبد الرحمن بن سلمة قال: ثنا أحمد بن خليل، ثنا خالد بن سعد، ثنا عبد الله بن يونس المرادي من كتابه، نا بقي بن مخلد، نا سحنون والحارث بن
(٧٦١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 756 757 758 759 760 761 762 763 764 765 766 ... » »»
الفهرست