الاحكام - ابن حزم - ج ٦ - الصفحة ٧٥٩
فإن قال قائل: إذ قد ظهر الفتيا بالرأي في الصحابة فقد أجمعوا على الرضا به.
قيل له وبالله تعالى التوفيق: ليس كما تقول، بل لو قال قائل: إنهم رضي الله عنهم أجمعوا على ذمه لكان مصيبا، لان الذين روى عنهم الفتيا منهم رضي الله عنهم مائة ونيف وثلاثون، لا يحفظ التكثير منهم من الفتيا إلا عن عشرين، ثم لا يحفظ عن أحد من هؤلاء المذكورين تصويب القول بالرأي، ولا أنه دين ولا أنه لازم، بل أكثرهم قد روي عنه ذم ما أخبر به من الرأي وعلى أي وجه أفتى به من أنه غير لازم.
ثم تعكس عليهم السؤال فنسألهم: أعصم أحد من الخطأ بعد النبي صلى الله عليه وسلم، فمن قولهم وقول جميع المسلمين: إنه لم يعصم أحد من الخطأ بعد النبي صلى الله عليه وسلم وإن كان من دونه يخطئ ويصيب، فإذ الامر كذلك أفيسوغ لاحد أن يقول:
إنهم قد أجمعوا على الخطأ؟ وأراد تصحيح الخطأ بذلك، وهذا ما لا يقوله أحد.
وإنما يكون الاجماع صحيحا إذا أجمعوا على صحة القول بشئ ما، ولم يصحح قط أحد منهم القول بالرأي، وأيضا فإنه ليس منهم أحد أفتى برأيه في مسألة إلا وقد أفتى غيره فيها بنص رواه، أو موافق لنص فإذ الامر كذلك، فإن الواجب عرض تلك الأقوال على القرآن والسنة، فالقرآن والسنة يشهدان بصحة قول من وافق قوله النص، لا من قال برأيه، وبالله تعالى التوفيق.
واحتجوا في الاستحسان بقول يجري على ألسنتهم وهو: ما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن، وهذا لا نعلمه ينسند إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من وجه أصلا، وأما الذي لا شك فيه، فإنه لا يوجد البتة في مسند صحيح وإنما نعرفه عن ابن مسعود، كما حدثنا المهلب التميمي عن محمد بن عيسى بن مناس، عن محمد بن مسرور، عن يونس بن عبد الاعلى، عن ابن وهب، أخبرني عبد الله بن يزيد، عن عبد الرحمن بن عبد الله عتبة، عن عاصم بن بهدلة، عن شقيق، عن عبد الله بن مسعود فذكر كلاما فيه، فما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن.
قال أبو محمد: وهذا لو أتى من وجه صحيح لما كان لهم فيه متعلق، لأنه إنما يكون إثبات إجماع المسلمين فقط، لأنه لم يقل ما رآه بعض المسلمين حسنا فهو حسن وإنما فيه: ما رآه المسلمون، فهذا هو الاجماع الذي لا يجوز خلافه لو تيقن،
(٧٥٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 754 755 756 757 758 759 760 761 762 763 764 ... » »»
الفهرست