الاحكام - ابن حزم - ج ٦ - الصفحة ٧٦٣
وعن الاجماع فهو حق بلا شك، وإنما ينكر عليهم أن يستخرجوا من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، ومن إجماع الأمة معنى لا يفهم من مسموع ذلك الكلام، ولا يقتضيه موضوعه في اللغة العربية، فهذا الذي راموا نصره وخالفناهم فيه، لا ما أخذ عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن الأئمة الناقلين للحكم عنه صلى الله عليه وسلم، ومن استجاز مثل هذا التمويه في دين الاسلام فلا يستجيزه من له دين أو حياء.
فإن تعلقوا بحديث رويناه عن عمر في سبب نزول هذه الآية وفيه: أن عمر قال:
فكنت أنا الذي استنبطت ذلك الامر فلا حجة لهم فيه، بل هو عليهم لا لهم، وهو حديث حدثناه عبد الله بن يوسف، نا أحمد بن فتح، نا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد، نا أحمد بن علي، نا مسلم، حدثني زهير بن حرب، نا عمر بن يونس الحنفي، ثنا عكرمة بن عمار، عن سماك أبي زميل قال حدثني عبد الله بن العباس، حدثني عمر بن الخطاب - فذكر حديث إيلاء النبي صلى الله عليه وسلم من أزواجه، وأن عمر قال:
فقلت يا رسول الله، ما يشق عليك من شأن النساء فإن كنت طلقتهم فإن الله معك وملائكته وجبريل وميكائيل، وأنا وأبو بكر والمؤمنون معك، وقلما تكلمت - وأحمد الله - بكلام إلا رجوت أن يكون الله يصدق قولي الذي أقول، ونزلت الآية آية التخيير: * (إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما وإن تظاهرا عليه فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين والملائكة بعد ذلك ظهير) * قال عمر: فقمت على باب المسجد فناديت بأعلى صوتي، لم يطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه، ونزلت هذه الآية: * (وإذا جاءهم أمر من الامن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الامر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم) * قال عمر: فكنت أنا الذي استنبطت ذلك الامر وأنزل الله عز وجل آية التخيير.
قال أبو محمد: وقبل كل شئ فهذا اللفظ إنما روي من هذه الطريق، وفيها عكرمة بن عمار وهو منكر الحديث جدا، وقد روينا من طريقه حديثا موضوعا مكذوبا من طريق هذا الاسناد نفسه، عكرمة بن عمار عن سماك أبي زميل، عن ابن عباس وهكذا لا شك فيه، ليس في سنده أحد متهم غيره. وهذا الحديث الذي فيه أن أبا سفيان بن حرب بعد إسلامه كان المسلمون يجتنبونه، وأنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم أن يتزوج ابنته أم حبيبة وأن يستكتب ابنه معاوية وأن يستعمله يعني نفسه - ويوليه.
(٧٦٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 758 759 760 761 762 763 764 765 766 767 768 ... » »»
الفهرست