الاحكام - ابن حزم - ج ٦ - الصفحة ٧٦٢
مسكين، عن ابن القاسم، عن مالك أنه كان يكثر أن يقول: إن نظن إلا ظنا وما نحن بمستيقنين.
قال أبو محمد: ونحن نقول لمقال بالاستحسان: ما الفرق بين ما استحسنت أنت واستقبحه غيرك، وبين ما استحسنه غيرك واستقبحته أنت؟ وما الذي جعل أحد السبيلين أولى بالحق من الآخر؟ وهذا ما لا انفكاك منه، وبالله تعالى التوفيق.
وأما الاستنباط فإن أهل القياس ربما سموا قياسهم استنباطا، وهو مأخوذ من أنبطت الماء، وهو إخراجه من الأرض والتراب والأحجار، وهو غيرها، فالاستنباط هو استخراج الحكم من لفظ هو خلاف لذلك الحكم، وهذا باطل، ومن العجب أنه احتجوا في ثباته بقول الله عز وجل: * (ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الامر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم) * وهذا من عظيم مجاهرتهم الدالة على رقة دين من احتج بهذا في إثبات الاستنباط غشا لمن اعتبر به، وتلبيسا على من أحسن الظن بكلامه.
وهذه الآية مبطلة الاستنباط بلا شك، لان (لو) في كلام العرب - الذي نزل به القرآن - حرف يدل على امتناع الشئ لا امتناع غيره، فنص تعالى على أن المستنبطين لو ردوه إلى الرسول وإلى أهل العلم الناقلين لسنن النبي صلى الله عليه وسلم لعلموا الحق فلم يردوه واتكلوا على استنباطهم، فلم يعلموا الحق، هذا شئ ظاهر لا يجوز أن يحتمل تأويلا غير ما ذكرنا، ولا حجة أعظم في إبطال الاستنباط من هذه الآية لو أنصفوا أنفسهم.
وقد قال بعضهم: إن الضمير في قوله تعالى:
راجع إلى الرسول وإلى أولي الامر، لا إلى الضمير الذي في.
قال أبو محمد: وهذا ليس بمخرج للفظ الآية عن إبطال الاستنباط الذي يريدون نصره، لأنه إن كان كما ذكروا فمعنى الآية حينئذ: إنهم لو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الامر منهم لعلم الحق الذين يستنبطونه أي يستخرجون علمه من عند الرسول وأولي الامر.
قال أبو محمد: وهذا قولنا لا قولهم، لان كل قول أخذ عن النبي صلى الله عليه وسلم
(٧٦٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 757 758 759 760 761 762 763 764 765 766 767 ... » »»
الفهرست