الاحكام - ابن حزم - ج ٦ - الصفحة ٧٧٣
لمن قادنا، بكتاب الله عز وجل، فهذه صفة إذا وجدت في أي عين وجدت، فطاعته واجبة بالنص، لأنه صلى الله عليه وسلم بعث إلى كل من يأتي إلى يوم القيامة، فلا معنى للأسماء المعلقة على أعيان الرجال في ذلك أصلا، وهذا كالعتق في الكفارات والصدقة على المساكين، وكالضحايا، وغير ذلك من سائر الشريعة، وكأمره تعالى في بني إسرائيل بذبح بقرة ولم يميز بقرة بعينها، وإنما نرد الاحكام في الأنواع الجامعة للأشخاص. ثم في أي شخص نفذ الحق فقد أجزأ، وهذا لا خلاف فيه من أحد، وكالنص على الماء، فبأي ماء تطهر أجزأ، وإنما يبطل الرأي في شرع الشريعة بما لا نص فيه، فظهر تمويههم بهذا في الرأي.
وأما خبر معاذ فإنه لا يحل الاحتجاج به لسقوطه، وذلك أنه لم يرو قط إلا من طريق الحارث بن عمرو وهو مجهول لا يدري أحد من هو، حدثني أحمد بن محمد العذري، ثنا أبو ذر الهروي، نا زاهر بن أحمد الفقيه، نا زنجويه بن محمد النيسابوري، ثنا محمد بن إسماعيل البخاري - هو مؤلف الصحيح - فذكر سند هذا الحديث، وقال: رفعه في اجتهاد الرأي، قال البخاري: ولا يعرف الحارث إلا بهذا ولا يصح.
هذا نص كلام البخاري رحمه الله في تاريخه الأوسط ثم هو عن رجال من أهل حمص لا يدري من هم. ثم لا يعرف قط في عصر الصحابة، ولا ذكره أحد منهم، ثم لم يعرفه أحد قط في عصر التابعين حتى أخذه أبو عون وحده عمن لا يدري من هو، فلما وجده أصحاب الرأي عند شعبة طاروا به كل مطار، وأشاعوه في الدنيا وهو باطل لا أصل له.
ثم قد رواه أيضا أبو إسحاق الشيباني، عن أبي عون فخالف فيه شعبة، وأبو إسحاق أيضا ثقة كما حدثنا حمام وأبو عمر الطلمنكي قال حمام: نا أبو محمد الباجي، نا عبد الله بن يونس، نا بقي، نا أبو بكر بن أبي شيبة، وقال الطلمنكي: نا ابن مفرج، نا إبراهيم بن أحمد بن فراس، نا محمد بن علي بن زيد، نا سعيد بن منصور، ثم اتفق ابن أبي شيبة وسعيد كلاهما عن أبي معاوية الضرير، نا أبو إسحاق الشيباني، عن محمد بن عبيد الله الثقفي - هو أبو عون - قال: لما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم معاذا إلى اليمن قال: يا معاذ بما تقضي قال: أقضي بما في كتاب الله. قال:
فإن جاءك أمر ليس في كتاب الله؟ قال: أقضي بما قضي به نبيه صلى الله عليه وسلم.
(٧٧٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 768 769 770 771 772 773 774 775 776 777 778 ... » »»
الفهرست