الاحكام - ابن حزم - ج ٦ - الصفحة ٧٧١
وأما ما لا يؤخذ من الدين إلا من الوحي فلا ولا كرامة لاحد بعده أن يكون لسواه حظ في ذلك معه ولا بعده، وبالله تعالى التوفيق. فظهر فساد تمويههم بالآيتين.
وأما المشاورة التي كانت قبل نزول الاذان فأعظم حجة عليهم، أول ذلك أن الامر حينئذ كان مباحا كل ما قالوه، ولم ينزل في شئ منه إيجاب ولا تحريم، وهذا لا ننكر فيه المشاورة إلى اليوم. ثم إنه لم يأخذ صلى الله عليه وسلم في ذلك بشئ من آرائهم، بل بما صوبه الوحي مما أريه في منامه عبد الله بن زيد، ولولا أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالاذان ما جاز الالتفات إلى رؤيا عبد الله بن زيد، ولا إلى رؤيا غيره، فصح أن آراءهم رضي الله عنهم لا يلزم قبولها، فكيف أراء من بعدهم؟.
وأما الخبر عن أبي هريرة: ما رأيت أحدا كان أكثر مشورة لأصحابه من رسول الله صلى الله عليه وسلم بعقب ذكرى الزهري لمشاورته صلى الله عليه وسلم أصحابه في القتال يوم الحديبية، فهو نفس كلامنا هذا، على أن كلا الخبرين مرسل، لان الزهري لم يلق أبا هريرة قط، ولا سمع منه كلمة، ولم ينكر أن يشاورهم في مكايد الحروب وتعجيلها وتأخيرها.
وأما الخبر الذي فيه: ما الحزم؟ فقال: أن تستشير الرجل ذا الرأي ثم تمضي لما أمرك به فمرسل، ثم هو بعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم، لأنه قد يختلف عليك الرجلان ذوا الرأي فلأيهما تمضي؟ حاش الله أن ينطق رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذا الباطل.
وأما الخبر: ما شقي عبد بمشورة فمرسل، ولا حجة في مرسل، ونحن لا ننكر المشورة في غير الدين، كما أننا ننكر بل نكفر من يشاور أيصلي الخمس أم لا؟ أيصوم رمضان أم لا؟ ونقطع أن مسلما لا يخالفنا في هذا.
وأما حديث عمرو بن العاص فأعظم حجة عليهم، لان فيه أن الحاكم المجتهد يخطئ ويصيب، فإذ ذلك كذلك فحرام الحكم في الدين بالخطأ، وما أحل الله تعالى قط إمضاء الخطأ، فبطل تعلقهم به.
وأما خبر علي فموضوع مكذوب، ما كان قط من حديث علي، ولا من حديث سعيد بن المسيب، ولا من حديث يحيى بن سعيد، ولا من حديث مالك ولم يروه قط أحد عن مالك إلا سليمان بن بزيع الإسكندراني وهو مجهول ولا يخلو ضرورة
(٧٧١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 766 767 768 769 770 771 772 773 774 775 776 ... » »»
الفهرست