الاحكام - ابن حزم - ج ٦ - الصفحة ٧٧٢
من أنه وضعه أو دلسه عمن وضعه. وهذا خبر لا يحل لاحد أن يرويه، والكذب لا يعجز عنه من لا يتقي الله تعالى، وبرهان كذب هذا الحديث ووضعه أنه لا يجوز البتة أن يقول النبي صلى الله عليه وسلم كلاما يصح نزول حكم في الدين بالناس لا قرآن فيه، ولا بيان فيه من النبي صلى الله عليه وسلم مع قوله صلى الله عليه وسلم: دعوني ما تركتكم فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة مسائلهم واختلافهم على أنبيائهم، فإذا أمرتكم بشئ فأتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شئ فاتركوه ومع قول الله تعالى: * (اليوم أكملت لكم دينكم) * فقد أخرج صلى الله عليه وسلم ما لم ينص فيه بأمر أو بنهي عن الفرض والندب والتحريم والكراهة، وبأمره بترك ما لم يأمرنا أو ينهانا، وأبقاه في جملة المباح المطلق، فصار من المحال الممتنع وجود نازلة لا حكم لها في النصوص.
وأما حديث ابن غنم ففيه ثلاث بلايا: إحداها أنه مرسل، والثانية: عبد الحميد ابن بهرام وهو ضعيف، والثالثة: شهر بن حوشب وهو متروك، ثم لو صح لما كان لهم فيه متعلق، لأنه ليس فيه إلا قبول رأي أبي بكر وعمر فقط لا قبول رأي غيرهما، وهذا خلاف عمل أهل الرأي كلهم اليوم، ثم فيه قبولهما إلا في لبس حلة، وهذا مباح لا يمنع من قبول رأي خادم أو عبد أو جار إن شاء الذي أشير عليه بذاك، ثم فيه اختلافهما فبطل التعلق برأي خالفه رأي آخر.
وأما احتجاجهم بوجوب طاعة أولي الامر منا، فقد قلنا في ذلك قبل بما أغنى وإنه لا يخلو رأيهم من أن يوجد فيه اختلاف بينهم أو لا يوجد، فإن وجد اختلاف منهم فليس بعضهم يقول رأيه أولى من بعض، وإن لم يوجد فيه اختلاف فقد قلنا: إن القطع بأنه إجماع أولي الامر باطل ممتنع لا سبيل إليه، مع أن قول الله تعالى: * (اليوم أكملت لكم دينكم) * مبطل لدعوى من ادعى أنه تعالى أمرنا بطاعتهم فيما ليس فيه نص، أو في خلاف النص، لأنه شرع شريعة لم يشرعها الله تعالى، أو إبطال شريعة شرعها الله تعالى وكلا الامرين كفر لا يجوز البتة إجماع العلماء عليه وقد يجوز الوهم في هذا على الطائفة فصح أننا إنما أمرنا بطاعتهم فيما بلغوه إلينا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقط.
وأما ما قالوه في الإمامة فقد نص صلى الله عليه وسلم على أن الأئمة من قريش، وأمرنا بأن نفي ببيعة الأول فالأول، وأن نتعاون على البر والتقوى، وأن نسمع ونطيع
(٧٧٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 767 768 769 770 771 772 773 774 775 776 777 ... » »»
الفهرست