الاحكام - ابن حزم - ج ٦ - الصفحة ٧٧٤
قال: فإن جاءك أمر ليس في كتاب الله ولم يقض به نبيه؟ قال: أقضي بما قضى به الصالحون. قال: فإن جاءك أمر ليس في كتاب الله ولم يقض به نبيه ولا قضى به الصالحون؟ قال: أؤم الحق جهدي. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الحمد لله الذي جعل رسول رسول الله يقضي بما يرضى به رسول الله فلم يذكر أجتهد رأيي أصلا، وقوله: أؤم الحق هو طلبه للحق حتى يجده حيث لا توجد الشريعة إلا منه، وهو القرآن وسنن النبي صلى الله عليه وسلم.
على أننا قد حدثنا أحمد بن محمد الله الطلمنكي، نا أحمد بن عون الله، نا إبراهيم بن أحمد بن فراس، نا أحمد بن محمد بن سالم النيسابوري قال: نا إسحاق بن راهويه قال:
قال سفيان بن عيينة: اجتهاد الرأي هو مشاورة أهل العلم، لا أن يقول برأيه.
وأيضا فإنه مخالفون لما فيه، تاركون له، لان فيه أنه يقضي أولا بما في كتاب الله، فإن لم يجد في كتاب الله فحينئذ يقضي بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم كلهم على خلاف هذا، بل يتركون نص القرآن إما لسنة صحيحة، وإما لرواية فاسدة، كما تركوا مسح الرجلين، وهو نص القرآن لرواية جاء بالغسل، وكما تركوا الوصية للوالدين والأقربين لرواية جاءت: لا وصية لوارث وكما تركوا جلد المحصن، وهو نص القرآن لظن كاذب في تركه، ومثل هذا كثير، فكيف يجوز لذي دين أن يحتج بشئ هو أول مخالف له؟.
وبرهان وضع هذا الخبر وبطلانه هو أن من الباطل الممتنع أن يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: فإن لم تجد في كتاب الله ولا في سنة رسول الله وهو يسمع قول ربه تعالى: * (اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم) * وقوله تعالى: * (اليوم أكملت لكم دينكم) * وقوله تعالى: * (ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه) * مع الثابت عنه صلى الله عليه وسلم من تحريم القول بالرأي في الدين من قوله صلى الله عليه وسلم: فاتخذ الناس رؤوسا جهالا فأفتوا بالرأي فضلوا وأضلوا ثم لو صح لكان معنى قوله: أجتهد رأيي إنما معناه أستنفذ جهدي حتى أرى الحق في القرآن والسنة، ولا أزال أطلب ذلك أبدا.
وأيضا فلو صح لكان لا يخلو من أحد وجهين: إما أن يكون ذلك لمعاذ وحده، فيلزمهم ألا يتبعوا رأي أحد إلا رأي معاذ، وهم لا يقولون بهذا.
(٧٧٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 769 770 771 772 773 774 775 776 777 778 779 ... » »»
الفهرست