الاحكام - ابن حزم - ج ٦ - الصفحة ٧٨٤
قال أبو محمد: هذا في غاية الصحة.
وكل ما رويناه الآن من ابن عمر وابن مسعود وابن عباس يبين مرادهم بقولهم:
فليجتهد رأيه لو صح ذلك عنهم، وأنه ليس على القول في الدين بالرأي أصلا لكن بأن يجتهد حتى يرى الحق في القرآن والسنة.
حدثنا حمام، نا الباجي، نا عبد الله بن يونس، نا بقي بن مخلد، نا أبو بكر بن أبي شيبة، نا يزيد بن هارون، نا حماد بن سلمة، عن قتادة أن أبا موسى الأشعري قال:
لا ينبغي لقاض أن يقضى حتى يتبين له الحق كما يتبين له الليل عن النهار، فبلغ ذلك عمر بن الخطاب فقال: صدق.
قال أبو محمد: هذا يبين أنهم لم يجيزوا القول بالرأي الذي إنما هو ظن، ويبين أنهم كانوا يرون خبر الواحد يوجب العلم والقطع به ولا بد.
أخبرني محمد بن سعيد بن نبات، ثنا أحمد بن عبد البصير، نا قاسم بن أصبغ، ثنا محمد بن عبد السلام الخشني، نا محمد بن المثنى، نا مؤمل بن إسماعيل الحميري، نا سفيان الثوري، نا أبو إسحاق الشيباني، عن أبي الضحى، عن مسروق قال: كتب كاتب لعمر بن الخطاب: هذا ما رأى الله ورأى عمر، فقال عمر: بئس ما قلت، إن يكن صوابا فمن الله، وإن يكن خطأ فمن عمر.
حدثنا يونس بن عبد الله، نا أحمد بن عبد الله بن عبد الرحيم، نا أحمد بن خالد، حدثنا نا محمد بن عبد السلام الخشني، نا محمد بن بشار، نا يحيى بن سعيد القطان، حدثنا مجالد عن الشعبي، عن مسروق قال: قال عبد الله بن مسعود: يذهب العلماء ويبقى قوم يقولون برأيهم، قال الشعبي: لعن الله أرأيت.
قال أبو محمد: والله ما أفتى قط أحد من الصحابة رضي الله عنهم باجتهاد رأيه إلا كما ترى، بعد أن يبحث عن السنة فتغيب عنه، وهي عند غيره بلا شك، ثم لا يجعل رأيه ذلك إلا مما يخاف الله تعالى فيه، ويشفق منه ويتبرأ من التزامه، وكذلك كان التابعون رحمهم الله، فأتى اليوم ناس يجعلونه دينا يبطلون به كلام الله تعالى وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم. نعوذ بالله من الخذلان.
وقد روينا أيضا عن ابن عمر، كما نا المهلب، نا ابن مناس، أنا ابن مسرور، حدثنا يونس بن عبد الاعلى، نا ابن وهب، أخبرني عمر بن الحارث أن عمرو بن
(٧٨٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 779 780 781 782 783 784 785 786 787 788 789 ... » »»
الفهرست