تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٩ - الصفحة ٣٩٢
فأخذهم الله أخذة رابية، وفصل تصف فيه الحاقة وانقسام الناس فيها إلى أصحاب اليمين وأصحاب الشمال واختلاف حالهم بالسعادة والشقاء، وفصل تؤكد فيه صدق القرآن في إنبائه بها وأنه حق اليقين، والسورة مكية بشهادة سياق آياتها.
قوله تعالى: " الحاقة ما الحاقة وما أدراك ما الحاقة " المراد بالحاقة القيامة الكبرى سميت بها لثبوتها ثبوتا لا مرد له ولا ريب فيه، من حق الشئ بمعنى ثبت وتقرر تقررا واقعيا.
و " ما " في " ما الحاقة " استفهامية تفيد تفخيم أمرها، ولذلك بعينه وضع الظاهر موضع الضمير ولم يقل: ما هي، والجملة الاستفهامية خبر الحاقة.
فقوله: " الحاقة ما الحاقة " مسوق لتفخيم أمر القيامة يفيد تفخيم أمرها وإعظام حقيقتها إفادة بعد إفادة.
وقوله: " وما أدراك ما الحاقة " خطاب بنفي العلم بحقيقة اليوم وهذا التعبير كناية عن كمال أهمية الشئ وبلوغه الغاية في الفخامة ولعل هذا هو المراد مما نقل عن ابن عباس:
أن ما في القرآن من قوله تعالى: " ما أدراك " فقد أدراه وما فيه من قوله: " ما يدريك " فقد طوى عنه، يعني أن " ما أدراك " كناية و " ما يدريك " تصريح.
قوله تعالى: " كذبت ثمود وعاد بالقارعة " المراد بالقارعة القيامة وسميت بها لأنها تقرع وتدك السماوات والأرض بتبديلها والجبال بتسييرها والشمس بتكويرها والقمر بخسفها والكواكب بنثرها والأشياء كلها بقهرها على ما نطقت به الآيات، وكان مقتضى الظاهر أن يقال: كذبت ثمود وعاد بها فوضع القارعة موضع الضمير لتأكيد تفخيم أمرها.
وهذه الآية وما يتلوها إلى تمام تسع آيات وإن كانت مسوقة للإشارة إلى إجمال قصص قوم نوح وعاد وثمود وفرعون ومن قبله والمؤتفكات وإهلاكهم لكنها في الحقيقة بيان للحاقة ببعض أوصافها وهو أن الله أهلك أمما كثيرة بالتكذيب بها فهي في الحقيقة جواب للسؤال بما الاستفهامية كما أن قوله: " فإذا نفخ في الصور " الخ، جواب آخر.
ومحصل المعنى: هي القارعة التي كذبت بها ثمود وعاد وفرعون ومن قبله والمؤتفكات وقوم نوح فأخذهم الله أخذة رابية وأهلكهم بعذاب الاستئصال.
قوله تعالى: " فأما ثمود فأهلكوا بالطاغية " بيان تفصيلي لاثر تكذيبهم بالقارعة،
(٣٩٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 387 388 389 390 391 392 393 394 395 396 397 ... » »»
الفهرست