تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٩ - الصفحة ٣٩٥
الطريق وإعلام الصراط المستقيم الذي لا يسع الانسان إلا أن يسلكه، قال تعالى: " إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا " الدهر: 3، فإن لزم الصراط وسلكه حي بحياة طيبة سعيدة وإن تركه وأعرض عنه هلك بشقاء دائم وتمت عليه الحجة على أي حال، قال تعالى: " ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة " الأنفال: 42.
إذا تقرر هذا تبين أن من سنة الربوبية هداية الناس إلى سعادة حياتهم بإراءة الطريق الموصل إليها، وإليها الإشارة بقوله: " لنجعلها لكم تذكرة " فإن التذكرة لا تستوجب التذكر ممن ذكر بها بل ربما أثرت وربما تخلفت.
ومن سنة الربوبية هداية الأشياء إلى كمالاتها بمعنى إنهائها وإيصالها إليها بتحريكها وسوقها نحوه، وإليها الإشارة بقوله: " وتعيها أذن واعية " فإن الوعي المذكور من مصاديق الاهتداء بالهداية الربوبية وإنما لم ينسب تعالى الوعي إلى نفسه كما نسب التذكرة إلى نفسه لان المطلوب بالتذكرة إتمام الحجة وهو من الله وأما الوعي فإنه وإن كان منسوبا إليه كما أنه منسوب إلى الانسان لكن السياق سياق الدعوة وبيان الاجر والمثوبة على إجابة الدعوة والاجر والمثوبة من آثار الوعي بما أنه فعل للانسان منسوب إليه لا بما أنه منسوب إلى الله تعالى.
ويظهر من الآية الكريمة أن للحوادث الخارجية تأثيرا في أعمال الانسان كما يظهر من مثل قوله: " ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض " الأعراف: 96 أن لأعمال الانسان تأثيرا في الحوادث الخارجية وقد تقدم بعض الكلام فيه.
(بحث روائي) في الدر المنثور أخرج ابن المنذر عن ابن جريج في قوله: " لنجعلها لكم تذكرة " قال:
لامة محمد صلى الله عليه وسلم، وكم من سفينة قد هلكت وأثر قد ذهب يعني ما بقي من السفينة حتى أدركته أمة محمد صلى الله عليه وسلم فرأوه كانت ألواحها ترى على الجودي.
أقول: وتقدم ما يؤيد ذلك في قصة نوح في تفسير سورة هود.
وفيه أخرج سعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن مكحول قال: لما نزلت " وتعيها أذن واعية " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: سألت ربي أن يجعلها
(٣٩٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 390 391 392 393 394 395 396 397 398 399 400 ... » »»
الفهرست