تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٩ - الصفحة ٣٢٤
آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون " الأعراف: 96.
فما يصيب الانسان من مصيبة - وهي المصيبة في نظر الدين - هو حاصل محاسبة أعماله والله يعفو عن كثير منها بالمسامحة والمساهلة في المحاسبة غير أنه تعالى يحاسب العاتين المستكبرين عن أمره ورسله حسابا شديدا بالمناقشة والاستقصاء والتثريب فيعذبهم عذابا نكرا.
والمعنى: وكم من أهل قرية عتوا واستكبروا عن مر ربهم ورسله فلم يطيعوا الله ورسله فحاسبناها حسابا شديدا ناقشنا فيه واستقصيناه، وعذبناهم عذابا صعبا غير معهود وهو عذاب الاستئصال في الدنيا.
وما قيل: إن المراد به عذاب الآخرة، والتعبير بالفعل الماضي للدلالة على تحقق الوقوع غير سديد.
وفي قوله: " فحاسبناها حسابا شديدا وعذبناها " التفات من الغيبة إلى التكلم مع الغير، ونكتته الدلالة على العظمة.
قوله تعالى: " فذاقت وبال أمرها وكان عاقبة أمرها خسرا " المراد بأمرها عتوها واستكبارها، والمعنى: فأصابتهم عقوبة عتوهم وكان عاقبة عتوهم خسارا كأنهم اشتروا العتو بالطاعة فانتهى إلى أن خسروا.
قوله تعالى: " أعد الله لهم عذابا شديدا " هذا جزاؤهم في الأخرى كما كان ما في قوله: " فحاسبناها حسابا شديدا وعذبناها عذابا نكرا فذاقت وبال أمرها " جزاءهم في الدنيا.
والفضل في قوله: " أعد الله لهم " الخ، لكونه في مقام دفع الدخل كأنه لما قيل:
" وكان عاقبة أمرها خسرا "، قيل: ما المراد بخسرهم؟ فقيل: " أعد الله لهم عذابا شديدا ".
قوله تعالى: " فاتقوا الله يا أولي الألباب الذين آمنوا قد أنزل الله إليكم ذكرا " استنتاج مما تقدم خوطب به المؤمنون ليأخذوا حذرهم ويقوا أنفسهم أن يعتوا عن أمر ربهم ويطغوا عن طاعته فيبتلوا بوبال عتوهم وخسران عاقبتهم كما ابتليت بذلك القرى الهالكة.
وقد وصف المؤمنين بأولي الألباب فقال: " اتقوا الله يا أولي الألباب الذين آمنوا "
(٣٢٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 319 320 321 322 323 324 325 326 327 328 329 ... » »»
الفهرست