تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٩ - الصفحة ٢٣١
عن موعدة وعدها إياه فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه " التوبة: 114، حيث يفيد أنه عليه السلام إنما وعده لأنه لم يتبين له بعد أنه عدو لله راسخ في عداوته ثابت في شركه فكان يرجو أن يرجع عن شركه ويطمع في أن يتوب ويؤمن فلما تبين له رسوخ عداوته ويئس من إيمانه تبرأ منه.
على أن قوله تعالى في قصة محاجته أباه في سورة مريم: " قال سلام عليك سأستغفر لك ربي إنه كان بي حفيا وأعتزلكم وما تدعون من دون الله " مريم: 48، يتضمن وعده أباه بالاستغفار وإخباره بالاعتزال ولو كان وعده الاستغفار توليا منه لأبيه لكان من الحري أن يقول: وأعتزل القوم، لا أن يقول: وأعتزلكم فيدخل أباه فيمن يعتزلهم وليس الاعتزال إلا التبري.
فالاستثناء استثناء متصل من أنهم لم يكلموا قومهم إلا بالتبري والمحصل من المعنى:
أنهم إنما ألقوا إليهم القول بالتبري إلا قول إبراهيم لأبيه: لأستغفرن لك فلم يكن تبريا ولا توليا بل وعدا وعده أباه رجاء أن يؤمن بالله.
وههنا شئ وهو أن مؤدى آية التوبة " فلما تبين له أنه عدو لله تبرء منه " أن تبريه الجازم إنما كان بعد الوعد وبعد تبين عداوته لله، وقوله تعالى في الآية التي نحن فيها: " إذ قالوا لقومهم إنا برآء منكم " إخبار عن تبريهم الجازم القاطع فيكون ما وقع في الاستثناء من قول إبراهيم لأبيه وعدا واقعا قبل تبريه الجازم ومن غير جنس المستثنى منه فيكون الاستثناء منقطعا لا متصلا.
وعلى تقدير كون الاستثناء منقطعا يجوز أن يكون الاستثناء من قوله: " قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه " بما أنه مقيد بقوله: " إذ قالوا لقومهم إنا برآء منكم "، والمعنى: قد كان لكم اقتداء حسن بتبري إبراهيم والذين معه من قومهم إلا أن إبراهيم قال لأبيه كذا وكذا وعدا.
وأما على تقدير كون الاستثناء متصلا فالوجه ما تقدم، وأما كون المستثنى منه هو قوله: " قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم "، والمعنى: لكم في إبراهيم أسوة في جميع خصاله إلا في قوله لأبيه: " لأستغفرن لك " فلا أسوة فيه.
ففيه أن قوله: " لكم أسوة حسنة في إبراهيم " الخ، غير مسوق لايجاب التأسي بإبراهيم عليه السلام في جميع خصاله حتى يكون الوعد بالاستغفار أو نفس الاستغفار - وذلك
(٢٣١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 226 227 228 229 230 231 232 233 234 235 236 ... » »»
الفهرست