تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٩ - الصفحة ٢٢٨
فاعل " تسرون " و " أعلم " اسم تفضيل، واحتمل بعضهم أن يكون فعل المتكلم وحده من المضارع متعديا بالباء لان العلم ربما يتعدى بها.
وجملة: " تسرون إليهم " الخ، استئناف بيانية كأنه قيل بعد استماع النهي السابق:
ماذا فعلنا فأجيب: تطلعونهم سرا على مودتكم لهم وأنا أعلم بما أخفيتم وما أظهرتم أي أنا أعلم بقولكم وفعلكم علما يستوي بالنسبة إليه إخفاؤكم وإظهاركم.
ومنه يعلم أن قوله: " بما أخفيتم وما أعلنتم " معا يفيدان معنى واحدا وهو استواء الاخفاء والاعلان عنده تعالى لإحاطته بما ظهر وما بطن فلا يرد أن ذكر " ما أخفيتم " يغني عن ذكر " ما أعلنتم " لان العالم بما خفي عالم بما ظهر بطريق أولى.
وقوله: " ومن يفعل ذلك منكم فقد ضل سواء السبيل " الإشارة بذلك إلى أسرار المودة إليهم وهو الموالاة، و " سواء السبيل " من إضافة الصفة إلى الموصوف أي السبيل السوي والطريق المستقيم وهو مفعول " ضل " أو منصوب بنزع الخافض والتقدير فقد ضل عن سواء السبيل، والسبيل سبيل الله تعالى.
قوله تعالى: " إن يثقفوكم يكونوا لكم أعداء " الخ، قال الراغب: الثقف - بالفتح فالسكون - الحذق في إدراك الشئ وفعله. قال: ويقال: ثقفت كذا إذا أدركته ببصرك لحذق في النظر ثم يتجوز به فيستعمل في الادراك وإن لم يكن معه ثقافة. انتهى.
وفسره غيره بالظفر ولعله بمعونة مناسبة المقام، والمعنيان متقاربان.
والآية مسوقة لبيان أنه لا ينفعهم الاسرار بالمودة للمشركين في جلب محبتهم ورفع عداوتهم شيئا وأن المشركين على الرغم من إلقاء المودة إليهم إن يدركوهم ويظفروا بهم يكونوا لهم أعداء من دون أن يتغير ما في قلوبهم من العداوة.
وقوله: " ويبسطوا إليكم أيديهم وألسنتهم بالسوء وودوا لو تكفرون " بمنزلة عطف التفسير لقوله: " يكونوا لكم أعداء " وبسط الأيدي بالسوء كناية عن القتل والسبي وسائر أنحاء التعذيب وبسط الألسن بالسوء كناية عن السب والشتم.
والظاهر أن قوله: " وودوا لو تكفرون " عطف على الجزاء والماضي بمعنى المستقبل كما يقتضيه الشرط والجزاء، والمعنى: أنهم يبسطون إليكم الأيدي والألسن بالسوء ويودون بذلك لو تكفرون كما كانوا يفتنون المؤمنين بمكة ويعذبونهم يودون بذلك أن يرتدوا عن دينهم. والله أعلم.
(٢٢٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 223 224 225 226 227 228 229 230 231 232 233 ... » »»
الفهرست