تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٩ - الصفحة ٢٢٠
من كمالات الوجود واليه تدبير أمره مستمدا مما حوله من الأسباب الكونية وليس هذا هو الانسان بل الانسان موجود متعلق الوجود جهل كله عجز كله ذلة كله فقر كله وهكذا، وما له من الكمال كالوجود والعلم والقدرة والعزة والغنى وهكذا فلربه وإلى ربه انتهاؤه ونظراؤه في ذلك سائر الأسباب الكونية.
والحاصل لما كان سبب نسيان النفس نسيان الله تعالى حول النهي عن نسيان النفس في الآية إلى النهي عن نسيانه تعالى لان انقطاع المسبب بانقطاع سببه أبلغ وآكد، ولم يقنع بمجرد النهي الكلي عن نسيانه بأن يقال: ولا تنسوا الله فينسيكم أنفسكم بل جرى بمثل إعطاء الحكم بالمثال ليكون أبلغ في التأثير وأقرب إلى القبول فنهاهم أن يكونوا كالذين نسوا الله مشيرا به إلى من تقدم ذكرهم من يهود بني النضير وبني قينقاع ومن حاله حالهم في مشاقة الله ورسوله.
فقال: " ولا تكونوا كالذين نسوا الله " ثم فرع عليه قوله: " فأنساهم أنفسهم " تفريع المسبب على سببه ثم عقبه بقوله: " أولئك هم الفاسقون " فدل على أنهم فاسقون حقا خارجون عن زي العبودية.
والآية وإن كانت تنهى عن نسيانه تعالى المتفرع عليه نسيان النفس لكنها بورودها في سياق الآية السابقة تأمر بذكر الله ومراقبته.
فقد بان من جميع ما تقدم في الآيتين أن الآية الأولى تأمر بمحاسبة النفس والثانية تأمر بالذكر والمراقبة.
قوله تعالى: " لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة أصحاب الجنة هم الفائزون " قال الراغب: الفوز الظفر بالخير مع حصول السلامة " انتهى. والسياق يشهد بأن المراد بأصحاب النار هم الناسون لله وبأصحاب الجنة هم الذاكرون لله المراقبون.
والآية حجة تامة على وجوب اللحوق بالذاكرين لله المراقبين له دون الناسين، تقريرها أن هناك قبيلين لا ثالث لهما وهما الذاكرون لله والناسون له لا بد للانسان أن يلحق بأحدهما وليسا بمساويين حتى يتساوى اللحوقان ولا يبالي الانسان بأيهما لحق؟ بل هناك راجح ومرجوح يجب اختيار الراجح على المرجوح والرجحان لقبيل الذاكرين لأنهم الفائزون لا غير فالترجيح لجانبهم فمن الواجب لكل نفس أن يختار اللحوق بقبيل الذاكرين.
(٢٢٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 215 216 217 218 219 220 221 222 223 224 225 ... » »»
الفهرست