تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٩ - الصفحة ٢١٨
الآية، أمر للمؤمنين بتقوى الله وبأمر آخر وهو النظر في الأعمال التي قدموها ليوم الحساب أهي صالحة فليرج بها ثواب الله أو طالحة فليخش عقاب الله عليها ويتدارك بالتوبة والإنابة وهو محاسبة النفس.
أما التقوى وقد فسر في الحديث بالورع عن محارم الله فحيث تتعلق بالواجبات والمحرمات جميعا كانت هي الاجتناب عن ترك الواجبات وفعل المحرمات.
وأما النظر فيما قدمت النفس لغد فهو أمر آخر وراء التقوى نسبته إلى التقوى كنسبة النظر الاصلاحي ثانيا من عامل في عمله أو صانع فيما صنعه لتكميله ورفع نواقصه التي غفل عنها أو أخطأ فيها حين العمل والصنع.
فعلى المؤمنين جميعا أن يتقوا الله فيما وجه إليهم من التكاليف فيطيعوه ولا يعصوه ثم ينظروا فيما قدموه من الأعمال التي يعيشون بها في غد بعد ما حوسبوا بها أصالح فيرجى ثوابه أم طالح فيخاف عقابه فيتوبوا إلى الله ويستغفروه.
وهذا تكليف عام يشمل كل مؤمن لحاجة الجميع إلى إصلاح العمل وعدم كفاية نظر بعضهم عن نظر الآخرين غير أن القائم به من أهل الايمان في نهاية القلة بحيث يكاد يلحق بالعدم وإلى ذلك يلوح لفظ الآية " ولتنظر نفس ".
فقوله: " ولتنظر نفس ما قدمت لغد " خطاب عام لجميع المؤمنين لكن لما كان المشتغل بهذا النظر من بين أهل الايمان بل من بين أهل التقوى منهم في غاية القلة بل يكاد يلحق بالعدم لاشتغالهم بأعراض الدنيا واستغراق أوقاتهم في تدبير المعيشة وإصلاح أمور الحياة ألقى الخطاب في صورة الغيبة وعلقه بنفس ما منكرة فقال: " ولتنظر نفس " وفي هذا النوع من الخطاب مع كون التكليف عاما بحسب الطبع عتاب وتقريع للمؤمنين مع التلويح إلى قلة من يصلح لامتثاله منهم.
وقوله: " ما قدمت لغد " استفهام من ماهية العمل الذي قدمت لغد وبيان للنظر، ويمكن أن تكون " ما " موصولة وهي وصلتها متعلقا بالنظر.
والمراد بغد يوم القيامة وهو يوم حساب الأعمال وإنما عبر عنه بغد للإشارة إلى قربه منهم كقرب الغد من أمسه، قال تعالى: " إنهم يرونه بعيدا ونراه قريبا " المعارج: 7.
والمعنى: يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله بطاعته في جميع ما يأمركم به وينهاكم عنه، ولتنظر نفس منكم فيما عملته من عمل ولتر ما الذي قدمته من عملها ليوم الحساب أهو
(٢١٨)
مفاتيح البحث: يوم القيامة (1)، التوبة (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 213 214 215 216 217 218 219 220 221 222 223 ... » »»
الفهرست