تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٩ - الصفحة ١٧٣
بعد نوح إلا من ذريته لان النسل بعده له. على أن عيسى من ذرية إبراهيم قال تعالى في نوح: " وجعلنا ذريته هم الباقين " الصافات: 77، وقال: " ومن ذريته داود وسليمان - إلى أن قال - وعيسى " الانعام: 85، فالمراد بقوله: " ثم قفينا على آثارهم برسلنا " الخ، التقفية باللاحقين من ذريتهما على آثارهما والسابقين من ذريتهما.
وفي قوله: " على آثارهم " إشارة إلى أن الطريق المسلوك واحد يتبع فيه بعضهم أثر بعض.
وقوله: " وقفينا بعيسى بن مريم وآتيناه الإنجيل وجعلنا في قلوب الذين اتبعوه رأفة ورحمة " الرأفة والرحمة - على ما قالوا - مترادفان، ونقل عن بعضهم أن الرأفة يقال في درء الشر والرحمة في جلب الخير.
والظاهر أن المراد بجعل الرأفة والرحمة في قلوب الذين اتبعوه توفيقهم للرأفة والرحمة فيما بينهم فكانوا يعيشون على المعاضدة والمسالمة كما وصف الله سبحانه الذين مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالرحمة إذ قال: " رحماء بينهم " الفتح: 29، وقيل: المراد بجعل الرأفة والرحمة في قلوبهم الامر بهما والترغيب فيهما ووعد الثواب عليهما.
وقوله: " ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم " الرهبانية من الرهبة وهي الخشية، ويطلق عرفا على انقطاع الانسان من الناس لعبادة الله خشيه منه، والابتداع إتيان ما لم يسبق إليه في دين أو سنة أو صنعة، وقوله: " ما كتبناها عليهم " في معنى الجواب عن سؤال مقدر كأنه قيل: ما معنى ابتداعهم لها؟ فقيل: ما كتبناها عليهم.
والمعنى: أنهم ابتدعوا من عند أنفسهم رهبانية من غير أن نشرعه نحن لهم.
وقوله: " إلا ابتغاء رضوان الله فما رعوها حق رعايتها " استثناء منقطع معناه ما فرضناها عليهم لكنهم وضعوها من عند أنفسهم ابتغاء لرضوان الله وطلبا لمرضاته فما حافظوا عليها حق محافظتها بتعديهم حدودها.
وفيه إشارة إلى أنها كانت مرضية عنده تعالى وإن لم يشرعها بل كانوا هم المبتدعين لها.
وقوله: " فآتينا الذين آمنوا منهم أجرهم وكثير منهم فاسقون " إشارة إلى أنهم كالسابقين من أمم الرسل منهم مؤمنون مأجورون على إيمانهم وكثير منهم فاسقون، والغلبة للفسق.
قوله تعالى: " يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وآمنوا برسوله يؤتكم كفلين من رحمته "
(١٧٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 168 169 170 171 172 173 174 175 176 177 178 ... » »»
الفهرست