تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٩ - الصفحة ١٧٨
الآيات الأربع أو الست نزلت في الظهار وكان من أقسام الطلاق عند العرب الجاهلي كان الرجل يقول لامرأته: أنت مني كظهر أمي فتنفصل عنه وتحرم عليه مؤبدة وقد ظاهر بعض الأنصار من امرأته ثم ندم عليه فجاءت امرأته إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تسائله فيه لعلها تجد طريقا إلى رجوعه إليها وتجادله صلى الله عليه وآله وسلم في ذلك وتشتكي إلى الله فنزلت الآيات.
والمراد بالسمع في قوله: " قد سمع الله " استجابة الدعوة وقضاء الحاجة من باب الكناية وهو شائع، والدليل عليه قوله: " تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله " الظاهر في أنها كانت تتوخى طريقا إلى أن لا تنفصل عن زوجها، وأما قوله: " والله يسمع تحاوركما " فالسمع فيه بمعناه المعروف.
والمعنى: قد استجاب الله للمرأة التي تجادلك في زوجها - وقد ظاهر منها - وتشتكي غمها وما حل بها من سوء الحال إلى الله والله يسمع تراجعكما في الكلام إن الله سميع للأصوات بصير بالمبصرات.
قوله تعالى: " الذين يظاهرون من نسائهم ما هن أمهاتهم إن أمهاتهم إلا اللائي ولدنهم " الخ، نفي لحكم الظهار المعروف عندهم وإلغاء لتأثيره بالطلاق والتحريم الأبدي بنفي أمومة الزوجة للزوج بالظهار فإن سنة الجاهلية كانت تلحق الزوجة بالام بسبب الظهار فتحرم على زوجها حرمة الام على ولدها حرمة مؤبدة.
فقوله: " ما هن أمهاتهم " أي بحسب اعتبار الشرع بأن يلحقن شرعا بهن بسبب الظهار فيحرمن عليهم أبدا ثم أكده بقوله: " إن أمهاتهم إلا اللائي ولدنهم " أي ليس أمهات أزواجهن إلا النساء اللاتي ولدنهم.
ثم أكد ذلك ثانيا بقوله: " وإنهم ليقولون منكرا من القول وزورا " بما فيه من سياق التأكيد أي وإن هؤلاء الأزواج المظاهرين ليقولون بالظهار منكرا من القول ينكره الشرع حيث لم يعتبره ولم يسنه، وكذبا باعتبار أنه لا يوافق الشرع كما لا يطابق الخارج الواقع في الكون فأفادت الآية أن الظهار لا يفيد طلاقا وهذا لا ينافي وجوب الكفارة عليه لو أراد المواقعة بعد الظهار فالزوجية على حالها وإن حرمت المواقعة قبل الكفارة.
وقوله: " وإن الله لعفو غفور " لا يخلو من دلالة على كونه ذنبا مغفورا لكن ذكر الكفارة في الآية التالية مع تذييلها بقوله: " وتلك حدود الله وللكافرين عذاب أليم " ربما دل على أن المغفرة مشروطة بالكفارة.
(١٧٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 173 174 175 176 177 178 179 180 181 182 183 ... » »»
الفهرست