تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٩ - الصفحة ١٧٤
الخ، أمر الذين آمنوا بالتقوى والايمان بالرسول مع أن الذين استجابوا الدعوة فآمنوا بالله آمنوا برسوله أيضا دليل على أن المراد بالايمان بالرسول الاتباع التام والطاعة الكاملة لرسوله فيما يأمر به وينهى عنه سواء كان ما يأمر به أو ينهى عنه حكما من الأحكام الشرعية أو صادرا عنه بماله من ولاية أمور الأمة كما قال تعالى: " فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما " النساء: 65.
فهذا إيمان بعد إيمان ومرتبة فوق مرتبة الايمان الذي ربما يتخلف عنه أثره فلا يترتب عليه لضعفه، وبهذا يناسب قوله: " يؤتكم كفلين من رحمته " والكفل الحظ والنصيب فله ثواب على ثواب كما أنه إيمان على إيمان.
وقيل: المراد بإيتاء كفلين من الرحمة إيتاؤهم أجرين كمؤمني أهل الكتاب كأنه قيل:
يؤتكم ما وعد من آمن من أهل الكتاب من الاجرين لأنكم مثلهم في الايمان بالرسل المتقدمين وبخاتمهم عليهم السلام لا تفرقون بين أحد من رسله.
وقوله: " ويجعل لكم نورا تمشون به " قيل: يعني يوم القيامة وهو النور الذي أشير إليه بقوله: " يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم ".
وفيه أنه تقييد من غير دليل بل لهم نورهم في الدنيا وهو المدلول عليه بقوله تعالى:
" أو من كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها " الانعام: 122، ونورهم في الآخرة وهو المدلول عليه بقوله: " يوم ترى المؤمنين والمؤمنات يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم " الآية 12 من السورة وغيره.
ثم كمل تعالى وعده بإيتائهم كفلين من رحمته وجعل نور يمشون به بالمغفرة فقال:
" ويغفر لكم والله غفور رحيم ".
قوله تعالى: " لئلا يعلم أهل الكتاب أن لا يقدرون على شئ من فضل الله " ظاهر السياق أن في الآية التفاتا من خطاب المؤمنين إلى خطاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم، والمراد بالعلم مطلق الاعتقاد كالزعم، و " أن " مخففة من الثقيلة، وضمير " يقدرون " للمؤمنين، وفي الكلام تعليل لمضمون الآية السابقة.
والمعنى: إنما أمرناهم بالايمان بعد الايمان ووعدناهم كفلين من الرحمة وجعل النور والمغفرة لئلا يعتقد أهل الكتاب أن المؤمنين لا يقدرون على شئ من فضل الله بخلاف المؤمنين من أهل الكتاب حيث يؤتون أجرهم مرتين أن آمنوا.
(١٧٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 169 170 171 172 173 174 175 176 177 178 179 ... » »»
الفهرست