تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٩ - الصفحة ١٧٢
وجدهم ومساهلتهم في أمر الدين. وقيل: المراد بالميزان هنا العدل وقيل: العقل.
وقوله: " وأنزلنا الحديد " الظاهر أنه كقوله تعالى: " وأنزل لكم من الانعام ثمانية أزواج " الزمر: 6، وقد تقدم في تفسير الآية أن تسمية الخلق في الأرض إنزالا إنما هو باعتبار أنه تعالى يسمي ظهور الأشياء في الكون بعد ما لم يكن إنزالا لها من خزائنه التي عنده ومن الغيب إلى الشهادة قال تعالى: " وإن من شئ إلا عندنا خزائنه وما ننزله إلا بقدر معلوم " الحجر: 21.
وقوله: " فيه بأس شديد ومنافع للناس " البأس هو الشدة في التأثير ويغلب استعماله في الشدة في الدفاع والقتال، ولا تزال الحروب والمقاتلات وأنواع الدفاع ذات حاجة شديدة إلى الحديد وأقسام الأسلحة المعمولة منه منذ تنبه البشر له واستخرجه.
وأما ما فيه من المنافع للناس فلا يحتاج إلى البيان فله دخل في جميع شعب الحياة وما يرتبط بها من الصنائع.
وقوله: " وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب " غاية معطوفة على محذوف والتقدير وأنزلنا الحديد لكذا وليعلم الله من ينصره الخ، والمراد بنصره ورسله الجهاد في سبيله دفاعا عن مجتمع الدين وبسطا لكلمة الحق، وكون النصر بالغيب كونه في حال غيبته منهم أو غيبتهم منه، والمراد بعلمه بمن ينصره ورسله تميزهم ممن لا ينصر.
وختم الآية بقوله: " إن الله قوي عزيز " وكأن وجهه الإشارة إلى أن أمره تعالى لهم بالجهاد إنما هو ليتميز الممتثل منهم من غيره لا لحاجة منه تعالى إلى ناصر ينصره إنه تعالى قوي لا سبيل للضعف إليه عزيز لا سبيل للذلة إليه.
قوله تعالى: " ولقد أرسلنا نوحا وإبراهيم وجعلنا في ذريتهما النبوة والكتاب فمنهم مهتد وكثير منهم فاسقون " شروع في الإشارة إلى أن الاهتداء والفسق جاريان في الأمم الماضية حتى اليوم فلم تصلح أمة من الأمم بعامة أفرادها بل لم يزل كثير منهم فاسقين.
وضمير " فمنهم " و " منهم " للذرية والباقي ظاهر.
قوله تعالى: " ثم قفينا على آثارهم برسلنا وقفينا بعيسى بن مريم وآتيناه الإنجيل " في المجمع: التقفية جعل الشئ في إثر شئ على الاستمرار فيه، ولهذا قيل لمقاطع الشعر قواف إذ كانت تتبع البيت على أثره مستمرة في غيره على منهاجه. انتهى.
وضمير " على آثارهم " لنوح وإبراهيم والسابقين من ذريتهما، والدليل عليه أنه لا نبي
(١٧٢)
مفاتيح البحث: القتل (1)، الشهادة (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 167 168 169 170 171 172 173 174 175 176 177 ... » »»
الفهرست