تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٩ - الصفحة ١٨٤
(بيان) آيات في النجوى وبعض آداب المجالسة.
قوله تعالى: " ألم تر أن الله يعلم ما في السماوات وما في الأرض " الاستفهام إنكاري، والمراد بالرؤية العلم اليقيني على سبيل الاستعارة، والجملة تقدمة يعلل بها ما يتلوها من كونه تعالى مع أهل النجوى مشاركا لهم في نجواهم.
قوله تعالى: " ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم " إلى آخر الآية النجوى مصدر بمعنى التناجي وهو المسارة، وضمائر الافراد لله سبحانه، والمراد بقوله: " رابعهم " و " سادسهم " جاعل الثلاثة أربعة وجاعل الخمسة ستة بمشاركته لهم في العلم بما يتناجون فيه ومعيته لهم في الاطلاع على ما يسارون فيه كما يشهد به ما احتف بالكلام من قوله في أول الآية: " ألم تر أن الله يعلم " الخ، وفي آخرها من قوله: " إن الله بكل شئ عليم ".
وقوله: " ولا أدنى من ذلك ولا أكثر " أي ولا أقل مما ذكر من العدد ولا أكثر مما ذكر، وبهاتين الكلمتين يشمل الكلام عدد أهل النجوى أيا ما كان أما الأدنى من ذلك فالأدنى من الثلاثة الاثنان والأدنى من الخمسة الأربعة، وأما الأكثر فالأكثر من خمسة الستة فما فوقها.
ومن لطف سياق الآية ترتب ما أشير إليه من مراتب العدد: الثلاثة والأربعة والخمسة والستة من غير تكرار فلم يقل: من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا أربعة إلا هو خامسهم وهكذا.
وقوله: " إلا هو معهم أينما كانوا " المراد به المعية من حيث العلم بما يتناجون به والمشاركة لهم فيه.
وبذلك يظهر أن المراد بكونه تعالى رابع الثلاثة المتناجين وسادس الخمسة المتناجين معيته لهم في العلم ومشاركته لهم في الاطلاع على ما يسارون لا مماثلته لهم في تتميم العدد فإن كلا منهم شخص واحد جسماني يكون بانضمامه إلى مثله عدد الاثنين وإلى مثليه الثلاثة والله سبحانه منزه عن الجسمية برئ من المادية.
وذلك أن مقتضى السياق أن المستثنى من قوله: " ما يكون من نجوى " الخ، معنى
(١٨٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 179 180 181 182 183 184 185 186 187 188 189 ... » »»
الفهرست