تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٩ - الصفحة ١٨٧
في قوله: " الذين نهوا عن النجوى " وقد عرفت أن في شموله لليهود خفاء.
وقوله: " ويقولون في أنفسهم لولا يعذبنا الله بما نقول " معطوف على " حيوك " أو حال وظاهره أن ذلك منهم من حديث النفس مضمرين ذلك في قلوبهم، وهو تحضيض بداعي الطعن والتهكم فيكون من المنافقين إنكارا لرسالة النبي صلى الله عليه وآله وسلم على طريق الكناية والمعنى: أنهم يحيونك بما لم يحيك به الله وهم يحدثون أنفسهم بدلالة قولهم ذلك - ولولا يعذبهم الله به - على أنك لست برسول من الله ولو كنت رسوله لعذبهم بقولهم.
وقيل: المراد بقوله: " ويقولون في أنفسهم " يقولون فيما بينهم بتحديث بعض منهم لبعض ولا يخلو من بعد.
وقد رد الله عليهم احتجاجهم بقولهم: " لولا يعذبنا الله بما نقول " بقوله: " حسبهم جهنم يصلونها وبئس المصير " أي إنهم مخطئون في نفيهم العذاب فهم معذبون بما أعد لهم من العذاب وهو جهنم التي يدخلونها ويقاسون حرها وكفى بها عذابا لهم.
وكأن المنافقين ومن يلحق بهم لما لم ينتهوا بهذه المناهي والتشديدات نزل قوله تعالى:
" لئن لم ينته المنافقون والذين في قلوبهم مرض والمرجفون في المدينة لنغرينك بهم ثم لا يجاورونك فيها إلا قليلا، ملعونين أين ما ثقفوا أخذوا وقتلوا تقتيلا " الآيات الأحزاب: 61.
قوله تعالى: " يا أيها الذين آمنوا إذا تناجيتم فلا تتناجوا بالاثم والعدوان ومعصية الرسول " الخ، لا يخلو سياق الآيات من دلالة على أن الآية نزلت في رفع الخطر وقد خوطب فيها المؤمنون فأجيز لهم النجوى واشترط عليهم أن لا يكون تناجيا بالاثم والعدوان ومعصية الرسول وأن يكون تناجيا بالبر والتقوى والبر وهو التوسع في فعل الخير يقابل العدوان، والتقوى مقابل الاثم ثم أكد الكلام بالامر بمطلق التقوى بإنذارهم بالحشر بقوله: " واتقوا الله الذي إليه تحشرون ".
قوله تعالى: " إنما النجوى من الشيطان ليحزن الذين آمنوا وليس بضارهم شيئا إلا بإذن الله " الخ، المراد بالنجوى - على ما يفيده السياق - هو النجوى الدائرة في تلك الأيام بين المنافقين ومرضى القلوب وهي من الشيطان فإنه الذي يزينها في قلوبهم ليتوسل بها إلى حزنهم ويشوش قلوبهم ليوهمهم أنها في نائبة حلت بهم وبلية أصابتهم.
ثم طيب الله سبحانه قلوب المؤمنين بتذكيرهم أن الامر إلى الله سبحانه وأن الشيطان
(١٨٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 182 183 184 185 186 187 188 189 190 191 192 ... » »»
الفهرست