تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٩ - الصفحة ١٦٢
المؤمنين على قسوة قلوبهم بهذا التمثيل تقوية لرجائهم وترغيب لهم في الخشوع.
ويمكن أن يكون من تمام العتاب السابق ويكون تنبيها على أن الله لا يخلي هذا الدين على ما هو عليه من الحال بل كلما قست قلوب وحرموا الخشوع لأمر الله جاء بقلوب حية خاشعة له يعبد بها كما يريد.
فتكون الآية في معنى قوله: " ها أنتم هؤلاء تدعون لتنفقوا في سبيل الله فمنكم من يبخل ومن يبخل فإنما يبخل عن نفسه والله الغني وأنتم الفقراء وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم " سورة محمد: 38.
ولذلك ذيل الآية بقوله: " قد بينا لكم الآيات لعلكم تعقلون ".
قوله تعالى: " إن المصدقين والمصدقات وأقرضوا الله قرضا حسنا يضاعف لهم ولهم أجر كريم " تكرار الحديث المضاعفة والاجر الكريم للترغيب في الانفاق في سبيل الله وقد أضيف إلى الذين أقرضوا الله قرضا حسنا المصدقون والمصدقات.
والمصدقون والمصدقات - بتشديد الصاد والدال المتصدقون والمتصدقات، وقوله:
" وأقرضوا الله " عطف على مدخول اللام في " المصدقين "، والمعنى: أن الذين تصدقوا والذين أقرضوا الله قرضا حسنا يضاعف لهم ما أعطوه ولهم أجر كريم.
قوله تعالى: " والذين آمنوا بالله ورسله أولئك هم الصديقون والشهداء عند ربهم " الخ، لم يقل: آمنوا بالله ورسوله " كما قال في أول السورة: " آمنوا بالله ورسوله وأنفقوا " وقال في آخرها: " يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وآمنوا برسوله " لأنه تعالى لما ذكر أهل الكتاب في الآية السابقة بقوله: " ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل " عدل عن السياق السابق إلى سياق عام يشمل المسلمين وأهل الكتاب جميعا كما قال بعد:
" لقد أرسلنا رسلنا بالبينات " وأما الآيتان المذكورتان في أول السورة وآخرها فالخطاب فيهما لمؤمني هذه الأمة خاصة ولذا جئ فيهما بالرسول مفردا.
والمراد بالايمان بالله ورسله محض الايمان الذي لا يفارق بطبعه الطاعة والاتباع كما مرت الإشارة إليه في قوله: " آمنوا بالله ورسوله " الآية، والمراد بقوله: " أولئك هم الصديقون والشهداء " إلحاقهم بالصديقين والشهداء بقرينة قوله: " عند ربهم " وقوله: " لهم أجرهم ونورهم " فهم ملحقون بالطائفتين يعامل معهم معاملة الصديقين والشهداء فيعطون مثل أجرهم ونورهم.
(١٦٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 157 158 159 160 161 162 163 164 165 166 167 ... » »»
الفهرست