تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٩ - الصفحة ١٦٥
الرضوان لتطهير المحل ليحل به الرضوان، وتوصيف المغفرة بكونه من الله دون العذاب لا يخلو من إيماء إلى أن المطلوب بالقصد الأول هو المغفرة وأما العذاب فليس بمطلوب في نفسه وإنما يتسبب إليه الانسان بخروجه عن زي العبودية كما قيل.
وقوله: " وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور " أي متاع التمتع منه هو الغرور به، وهذا للمتعلق المغرور بها.
والكلام أعني قوله: " وفي الآخرة عذاب شديد ومغفرة من الله ورضوان " إشارة إلى وجهي الحياة الآخرة ليأخذ السامع حذره فيختار المغفرة والرضوان على العذاب، ثم في قوله: " وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور " تنبيه وإيقاظ لئلا تغره الحياة الدنيا بخاصة غروره.
قوله تعالى: " سابقوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها كعرض السماء والأرض " الخ المسابقة هي المغالبة في السبق للوصول إلى غرض بأن يريد كل من المسابقين جعل حركته أسرع من حركة صاحبه ففي معنى المسابقة ما يزيد على معنى المسارعة فإن المسارعة الجد في تسريع الحركة والمسابقة الجد في تسريعها بحيث تزيد في السرعة على حركة صاحبه.
وعلى هذا فقوله: " سابقوا إلى مغفرة " الخ، يتضمن من التكليف ما هو أزيد مما يتضمنه قوله: " سارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين " آل عمران: 133.
ويظهر به عدم استقامة ما قيل: إن آية آل عمران في السابقين المقربين والآية التي نحن فيها في عامة المؤمنين حيث لم يذكر فيها إلا الايمان بالله ورسله بخلاف آية آل عمران فإنها مذيلة بجملة الأعمال الصالحة، ولذا أيضا وصف الجنة الموعودة هناك بقوله: " عرضها السماوات والأرض " بخلاف ما ههنا حيث قيل: " عرضها كعرض السماء والأرض " فدل على أن جنة أولئك أوسع من جنة هؤلاء.
وجه عدم الاستقامة ما عرفت أن المكلف به في الآية المبحوث عنها معنى فوق ما كلف به في آية آل عمران. على أن اللام في " السماء " للجنس فتنطبق على " السماوات " في تلك الآية.
وتقديم المغفرة على الجنة في الآية لان الحياة في الجنة حياة طاهرة في عالم الطهارة فيتوقف التلبس بها على زوال قذارات الذنوب وأوساخها.
(١٦٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 160 161 162 163 164 165 166 167 168 169 170 ... » »»
الفهرست