مستدركات أعيان الشيعة - حسن الأمين - ج ٢ - الصفحة ٦٣
رجب المرجب صعد طائر روحه إلى رياض جنات عدن تجري من تحتها الأنهار أسكنه الله في غرفات الجنان، وأفاض عليه رشحات الغفران.
تعليقنا على ما تقدم ويرى القارئ فيما تقدم كيفية نشوء الأسرة الصفوية وتدرجها في تأسيس ملكها، كما يرى دقائق تحركات الشاه إسماعيل في معاركه، ومسراه في توطيد سلطته خطوة خطوة، كما يلحظ حرج الكاتب وهو يذكر معركة جالديران الذي انهزم فيها الشاه إسماعيل أمام السلطان سليم، وكيف يبرر الهزيمة بمحاولة المبالغة في عدد جنود السلطان وقلة عدد جنود الشاه، كما أنه يركز على البطولة الشخصية للشاه في المعركة ليزيل أثر الهزيمة من النفوس.
وكنا تطرقنا فيما كتبناه في المجلد الأول من المستدركات إلى ما ذكره النهروالي عن الأسرة الصفوية من أنها لم تكن أسرة شيعية وأن المتشيع الأول فيها هو الشاه إسماعيل وناقشنا هذا القول بعض المناقشة. والكاتب هنا لا يشير إلى شئ من ذلك مما يدل على أنه ليس من رأي النهروالي في هذا الموضوع، ولكنه يؤكد تصوف الصفويين الأوائل تصوفا عريقا عميقا، وينسب إلى بعضهم من الكشف الغيبي وأمثاله ما لا يصح، كما أن نزعة الكاتب الصوفية تبدو فيما يكتب وفيما يعرض من مصطلحات في التعبير والأداء وتبنيه لأساليبهم في السعي والوصول وغير ذلك. على أن ما يلفت هو ما نقله عن الأمير عبد الله الذي التقاه صفي الدين في بيضاء بولاية فارس، من مخاطبته لصفي الدين بقوله أيها الشاب التركي فمن أين جاءت هذه الصفة لصفي الدين، وما هي أصول تركيته هذه وما حدودها...، وما هي نتائج معرفتنا بها؟.
ثم إن الكاتب يقول قبل ذلك عن صفي الدين: وقد تغلب عليه رغبة السير والسلوك وإدراك مشاكل عالم المعنى، ووضع خطاه وسار في واد الجهاد ونكران الذات والتصوف. ثم يضيف إلى ذلك قوله: وكان ينوي أن يلزم خدمة مرشد عالم جليل صاحب مكارم يتتلمذ على يديه ويكسب آداب السلوك....
وهذا يدل كما هو معروف على أن المتصوف الأول في هذه الأسرة هو رأسها المنسوبة إليه: صفي الدين، وعلى أنه لم يرث التصوف عن آبائه، بل هو الذي بدأه في قومه.
ومما يرشد إلى ذلك قول الكاتب عن رحيل صفي الدين إلى شيراز للاتصال بالشيخ الصوفي الشيخ نجيب الدين مرعشي الشيرازي.
أنه كان لصفي الدين أخ ثري وجيه معروف في شيراز، وأنه اتخذ من وجود أخيه فيها ذريعة لاستئذان والدته بالسفر إلى شيراز، ومعنى ذلك أن أخاه لم يكن صوفيا، بل هو في ثرائه ووجاهته بعيد عن التصوف ولو كان أبوه وجده صوفيين لبان أثر ذلك عليه، وأن كل ما كان من شان للأسرة قبل صفي الدين هو أنها لا تتميز بشئ عن كل الأسر البسيطة، وأن تميزها بدأ بصفي الدين لذلك سميت به ونسبت إليه.
وأما عن تشيع صفي الدين فإننا لا يمكن أن نستدل عليه من تتبعنا لسيرة المشايخ الذين قصدهم وتتلمذ عليهم كالشيخ ظهير الدين مرعش، والشيخ ركن الدين البيضاوي، والأمير عبد الله، والشيخ إبراهيم زاهد، والكيلاني الذي تزوج صفي الدين ابنته وورث مقامه وصار بعد موته رأسا صوفيا طيلة خمس وثلاثين أو أربعين سنة على اختلاف الأقوال، ثم توالت رئاسة التصوف بعده في أحفاده ابتداء من ولده صدر الدين موسى.
فليس لدي أنا حتى الآن ما يدل على تشيع هؤلاء المشايخ، بل إن ما يبدو في أحوالهم وتصرفاتهم الصوفية ما يمكن أن يدل على العكس، فهذا الانحراف في التصوف لا يعرفه التشيع، ومتصوفو الشيعة كان تصوفهم معتدلا مقبولا لا يتعدى نوعا من الزهد الذي لا يدفع إلى الشطحات وادعاء الغيبيات وما إلى ذلك.
واتصال صفي الدين بمن اتصل بهم، وأخذه بطريقتهم وانكبابه على تعاليمهم قد لا يدل على تشيعه، ويبقى علينا إذا صح هذا الرأي أن نصل إلى المتشيع الأول فيهم بعد أن عرفنا المتصوف الأول. على أننا لا نسلم مع النهروالي (1) بان المتشيع الأول هو الشاه إسماعيل بعد أن أثبت هو نفسه أن حيدر الجد الأعلى للشاه إسماعيل هو الذي صنع التاج ذا الاثني عشر ضلعا أحمر وهو إشارة إلى الأئمة الاثني عشر وأمر أتباعه أن يلبسوا نظيره فعرفوا باسم القزلباش وهو اسم لا يطلق إلا على الشيعة، ولا يزال بعضهم حتى اليوم معروفين به.
على أن رأي الكاتب حسين بن مرتضى يتنافى مع استنتاجنا عن الشك بتشيع صفي الدين، فهو يرى تشيعه ويرى أنه هو أول من فكر بتأسيس دولة شيعية، وأن ما حققه حفيده إسماعيل كان تحقيقا لأحلام جده الأعلى صفي الدين ووصولا إلى رغباته واستجابة لدعائه.
فالكاتب يفتتح حديثه عن الشاه إسماعيل بهذا النص: ولما كانت العناية الأزلية وإرادة واهب العطيات قد وعدت باستجابة دعاء واستدعاء سماحة سلطان الأولياء وبرهان الأصفياء في صومعة عارف المعارف الربانية الشيخ زاهد الكيلاني، وكان قد طلب من العلي المنان السلطة الدنيوية والأخروية وما كان مقصوده من السلطة الحكم والمال، بل كان مقصوده السلطة المعنوية والسعادة ورواج مذهب الأئمة الاثني عشر وكلمة علي ولي الله الطيبة واستخلاص الشيعة الإمامية الناجية وأنصار وأصحاب الإمام علي من بلية التقية....
ونظل نحن عند استنتاجنا مجرد استنتاج ويظل للكاتب رأيه، ونحن في الوقت نفسه نعترف بأنه لا يمكن أن يرسل قوله هذا جزافا فلا بد أن يكون مستندا إلى حقائق وصل إليها ولم تصل إلينا، ويبقى للقارئ حكمه على ما

(1) هو محمد بن أحمد النهروالي، نسبة إلى نهروالة، بلدة في الهند تسمى الآن بتن، وإليها تنسب أسرته، أما هو فقد ولد في مدينة لاهور سنة 917 ثم هاجر إلى الحجار. ثم رحل إلى مصر.
ثم ذهب إلى إسطنبول مارا ببلاد الشام، ثم عاد إلى مكة.
ولاه الأتراك مناصب في التدريس والافتاء وغيرهما، وقرروا له مرتبا شهريا كبيرا، ونال عند الأتراك جاها عظيما فكانوا يعطونه العطاء الواسع، لذلك نجده يبالغ في الثناء على سلاطين الأتراك ورجال دولتهم ويتحامل على غيرهم من العرب وغير العرب. توفي سنة 990.
وصفه المؤرخ علي التاجر في الصفحة 541 من المجلد الخامس من مجلة العرب بعد أن نقل وصفه لبعض الأحداث: لست بحاجة بعد كل هذا إلى تفصيل ما في حديث النهروبي من تخليط وتخبط، فذلك أوضح من أن يحتاج إلى بيان.
ثم يقول عن رواية النهروالي: بغض النظر عما في هذه الأسطورة من خلط وتشويش واضطراب وأخطاء تاريخية وجغرافية....
ويقول في الصفحة 460: والنهروالي إلى قيل الإهتمام بتحري الحقيقة عديم العناية بصحة ما يكتب وخاصة بالنسبة إلى التاريخ.
ويقول في الصفحة 638: الواقع أن النهروالي كان يتحدث عن موضوع يجهل ملابساته كلها جهلا تاما، فلفق وخلط كما هي عادته.
(٦٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 58 59 60 61 62 63 64 65 66 67 68 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 المقدمة 5
2 آمنة القزوينية - إبراهيم القطيفي - البحراني - الخطي - أحمد الدندن - الصحاف 7
3 أحمد مسكويه 8
4 أحمد آل عصفور - البحراني 19
5 أحمد بن حاجي - الدرازي - الدمستاني - المتنبي 20
6 أحمد القطيفي 32
7 أحمد الغريفي 33
8 أحمد عصفور - الزاهد - الخطي - البحراني 41
9 أحمد البحراني - الزنجي - البلادي - العقيري 42
10 أحمد القطيفي - آل عصفور - الشايب - المصري 43
11 أحمد الصاحب 45
12 أحمد البحراني - الأحوص - إدريس الثاني 46
13 إدريس الأول 49
14 إسماعيل الصفوي 50
15 أم كلثوم القزوينية - أمانت 68
16 أويس الأول - أيوب البحراني - بابر 69
17 باقر الدمستاني - بيرم خان خانان 70
18 جارية بن قدامة السعدي 71
19 جعفر القطاع - البحراني 77
20 جواد علي - جويرية - حبيب بن قرين 78
21 حرز العسكري - حسن عصفور - القطيفي 79
22 الحسن الوزير المهلبي 81
23 حسن الدمستاني 92
24 الحسين النعالي - معتوق - آل عصفور 93
25 حسن الحيدري - البلادي - الحسين ابن خالويه 95
26 حسين الغريفي - البحراني - الماحوزي 98
27 الحسين الطغرائي 99
28 حسين الفوعي - القزويني 104
29 حسين نور الدين - الحسين بن سينا 105
30 حمد البيك 120
31 خلف آل عصفور - الخليل بن أحمد الفراهيدي 134
32 داود البحراني 138
33 درويش الغريفي - رقية الحائرية - رويبة - السائب - الأشعري - سعد صالح 139
34 سعيد حيدر 140
35 سليمان الأصبعي 151
36 شبيب بن عامر - صالح الكرزكاني - صخير 152
37 صدر الدين الصدر - طاشتكين 153
38 عبد الإمام - عبد الجبار - عبد الرؤوف - عبد الرضا - عبد الحسين القمي - ابن رقية 154
39 عبد الرحمان الهمداني - ابن عبيد 155
40 عبد الرحمان النعماني - عبد السلام بن رغبات ديك الجن 156
41 عبد الله الحلبي - عبد علي عصفور 158
42 عبد علي القطيفي - عبد العلي البيرجندي - عبد الغفار نجم الدولة 159
43 عبد الكريم الممتن 160
44 عبد الله المقابي - الحجري - البحراني - الكناني - الأزدي - ابن وال - الأزدي 162
45 عبد الله النهدي - الأحمر - عبد المحسن اللويمي 163
46 عبد النبي الدرازي - عبيد الله بن الحر الجعفي 164
47 عبيدة - عدنان الغريفي 172
48 علي الأحسائي - البحراني - المقابي - جعفر - الدمستاني 173
49 علي الصالحي - ابن الشرقية 174
50 علي بن المؤيد 176
51 علي باليل 183
52 سيف الدولة الحمداني - ابن بابويه 185
53 علي الغريفي 196
54 علي نقي الحيدري - ابن أسباط - الصحاف 201
55 علي الحماني 202
56 علي بن الفرات 211
57 علي التهامي 213
58 عمر بن العديم 218
59 عيسى عصفور - قيس بن عمرو النجاشي 220
60 كريب - مال الله الخطي - ماه شرف 222
61 محسن عصفور - محمد الأسدي 223
62 محمد الكناني 226
63 محمد بن أحمد الفارابي 227
64 محمد البيروني 232
65 محمد الدمستاني - السبعي - الشويكي - الخطي - السبزواري 245
66 محمد النيسابوري - الشريف الرضي محمد بن الحسين 246
67 محمد الكرزكاني - المقابي 281
68 محمد بن أبي جمهور الأحسائي 282
69 محمد البحراني - البرغاني 286
70 محمد تقي الفشندي - آل عصفور - الحجري - الهاشمي 287
71 محمد جواد دبوق - المقابي - البحراني - آل عصفور 297
72 محمد عباس الجزائري 298
73 محمد علي البرغاني 299
74 محمد صالح البرغاني 300
75 محمد قاسم الحسيني - البغلي 305
76 محمد علي الأصفهاني - محمد كاظم التنكابني - محمد محسن الكاشاني 308
77 محمد محسن العاملي - محمد مهدي البصير - محمد النمر 309
78 محمود بن الحسين كشاجم 312
79 مرتضى العلوي - مغامس الحجري - مصطفى جواد 322
80 معتوق الأحسائي 327
81 معد الموسوي - معقل بن قيس الرياحي 328
82 مهدي الحكيم 330
83 مهدي بحر العلوم 330
84 مهدي المازندراني - الحيدري 333
85 منصور كمونة 336
86 مهدي الكلكاوي - محمد طاهر الحيدري - محمد بن مسلم الزهري - خاتون - معمر البغدادي - محسن الجواهري 337
87 ناصر الجارودي - حسين - نصر النحوي - المدائني - القاضي النعمان 338
88 نعمة الله الجزائري - نعيم بن هبيرة 342
89 نوح آل عصفور - نور الدين القطيفي - هبة الله ابن الشجري 343
90 هشام الجواليقي - يحيى الفراء 344
91 يعقوب الكندي 349
92 يوسف بن قزغلي 355
93 ملحق المستدركات - صلاح الدين الأيوبي 356
94 الخراسانية والمتشيعة 361
95 العرب والمأمون ثم البويهيون 364
96 سعد صالح 367
97 صلاح الدين وخلفاؤه - إسماعيل الصفوي 368
98 ابن جبير في جبل عامل 370