مستدركات أعيان الشيعة - حسن الأمين - ج ٢ - الصفحة ٢٢١
إذا قلت: أطراف الرماح تنوشه * مرثه له الساقان والقدمان (1) ثم ضرب بيده إلى ثديه وقال: ويحك إنما مثلي لا تعدو به الخيل، فقال:
إني لم أقل هذا لك إنما قلته لعتبة بن أبي سفيان.
ولما حد علي ع النجاشي غضب لذلك من كان مع علي من اليمانية وكان أخصهم به طارق بن عبد الله بن كعب بن أسامة النهدي فدخل على أمير المؤمنين ع فقال: يا أمير المؤمنين ما كنا نرى أن أهل المعصية والطاعة، وأهل الفرقة والجماعة عند ولاة العدل، ومعادن الفضل سيان في الجزاء، حتى رأيت ما كان من صنيعك بأخي الحارث، فأوغرت صدورنا (2)، وشتت أمورنا، وحملتنا على الجادة التي كنا نرى أن سبيل من ركبها النار، فقال علي ع: إنها لكبيرة إلا على الخاشعين يا أخا بني نهد، وهل هو إلا رجل من المسلمين انتهك حرمة من حرم الله فأقمنا عليه حدا كان كفارته، يا أخا بني نهد إن الله تعالى يقول: ولا يجرمنكم شنئان قوم على أن لا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى.
فخرج طارق من عند علي وهو مظهر بعذره قابل له، فلقيه الأشتر النخعي فقال له: يا طارق أنت القائل لأمير المؤمنين: إنك أوغرت صدورنا وشتت أمورنا؟ قال طارق: نعم، أنا قائلها. قال له الأشتر: والله ما ذاك كما قلت، وإن صدورنا له لسامعة، وإن أمورنا له لجامعة. قال: فغضب طارق، وقال: ستعلم يا أشتر أنه غير ما قلت، فلما جنه الليل همس (3) هو والنجاشي إلى معاوية، فلما قدما عليه دخل آذنه فأخبره بقدومهما وعنده وجوه أهل الشام منهم عمرو بن مرة الجهني (4) وعمرو بن صيفي (5) وغيرهما، قال:
فدخلا عليه، فلما نظر معاوية إليه قال: مرحبا بالمورق غصنه، المعرق أصله، المسود غير المسود، في أرومة (6) لا ترام، ومحل يقصر عنه الرامي، من رجل كانت منه هفوة ونبوة (7) باتباعه صاحب الفتنة، ورأس الضلالة والشبهة، التي اغترز (8) في ركاب الفتنة حتى استوى على رحلها ثم أوجف في عشوة ظلمتها وتيه ضلالتها (9)، واتبعه رجرجة من الناس (10)، وهنون من الحثالة (11)، أما والله ما لهم أفئدة أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها.
فقام طارق فقال: يا معاوية إني متكلم فلا يسخطك أول دون آخر، ثم قال وهو متكئ على سيفه: إن المحمود على كل حال رب علا فوق عباده فهم منه بمنظر ومسمع، بعث فيهم رسولا منهم لم يكن يتلو من قبله كتابا ولا يخطه بيمينه إذا لارتاب المبطلون، فعليه السلام من رسول كان بالمؤمنين برا رحيما.
أما بعد فانا كنا نوضع (12) فيما أوضعنا فيه بين يدي إمام تقي عادل في رجال من أصحاب رسول الله ص أتقياء مرشدين، ما زالوا منارا للهدى ومعالم (13) الدين خلفا عن سلف مهتدين، أهل دين لا دنيا، وأهل الآخرة كل الخير فيهم، واتبعهم من الناس ملوك وأقيال، وأهل بيوتات وشرف، ليسوا بناكثين ولا قاسطين، فلم تك رغبة من رغب عنهم وعن صحبتهم إلا لمرارة الحق حيث جرعوها، ولو عورته حيث سلوكها، وغلبت عليهم دنيا مؤثرة، وهوى متبع وكان أمر الله قدرا مقدورا وقد فارق الاسلام قبلنا جبلة بن الأيهم (14) فرارا من الضيم وأنفا من الذلة فلا تفخرن يا معاوية أن قد شددنا إليك الرحال وأوضعنا نحوك الركاب، فتعلم وتنكر. أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولجميع المسلمين.
ثم التفت إلى النجاشي وقال: ليس بعشك فادرجي (15) فشق على معاوية ذلك وغضب ولكنه أمسك فقال: يا عبد الله ما أردنا أن نوردك مشرع ظما، ولا أن نصدرك عن مكرع رواء، ولكن القول قد يجري بصاحبه إلى غير الذي ينطوي عليه من الفعل، ثم أجلسه معه على سريره، ودعا له بمقطعات (16) وبرود فصبها عليه، ثم أقبل عليه بوجهه يحدثه حتى قام.
فلما قام طارق خرج وخرج معه عمرو بن مرة، وعمرو بن صيفي الجهنيان فأقبلا عليه يلومانه في خطبته إياه وفيما عرض لمعاوية.
فقال طارق لهما: والله ما قمت بما سمعتماه حتى خيل لي أن بطن الأرض أحب إلي من ظهرها عند إظهاره ما أظهر من البغي والعيب والنقص لأصحاب محمد ص ولمن هو خير منه في العاجلة والآجلة وما زهت به نفسه، وملكه عجبه وعاب أصحاب رسول الله ص واستنقصهم ولقد قمت مقاما عنده أوجب الله علي فيه أن لا أقول إلا حقا، وأي خير فيمن لا ينظر ما يصير إليه غدا؟! وأنشأ يتمثل بشعر لبيد بن عطارد التميمي:
لا تكونوا على الخطيب مع الدهر * فاني فيما مضى لخطيب

(١) هذان البيتان من قصيدة للنجاشي يهجو بها معاوية يوم صفين من قصيدة روى منها نصر بن مزاحم في كتاب صفين ص ٦٠١ واحدا وثلاثين بيتا وكان معاوية يعير بها بعد ذلك ويعرض بها، والسابح الجواد وجمعه سوابح، والأجش: الغليظ الصوت من الإنسان والخيل، والهزيم: الفرس الشديد الصوت ومرئه - بالمثلثة -: حركته.
(٢) أو غرت صدورنا: جعلتها تتوقد من شدة الغيظ.
(٣) الهمس - هنا - السير ليلا بلا فتور.
(٤) عمرو بن مرة الجهني صحابي يكنى أبا مريم شهد مع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أكثر المشاهد مات في أيام معاوية وقيل أيام عبد الملك (انظر الاستيعاب ٢ / 519 والإصابة حرف العين ق 1).
(5) عمرو بن صيفي، قال السيد المحدث رحمه الله: " لم أجد ذكره في كتب التراجم ".
(6) الأرومة - بفتح الهمزة وبضمها - الأصل.
(7) الهفوة: الزلة، والنبوة - هنا -: التقصير كأنها مأخوذة من قولهم نبا السهم إذا قصر عن الهدف، ونبا السيف إذا كل عن الضريبة.
(8) اغترز: وضع رجله في الغرر وهو ركاب من جلد.
(9) أوجف: أسرع، والعشوة - بتثليث العين المهملة -: ركوب الأمر على غير بيان، والتيه - بكسر التاء هنا - الضلال.
(10) الرجرجة من الناس: الأراذل ومن لا عقول لهم.
(11) هنون جمع هين وهو الحقير المهان، والحثالة: الردئ من كل شئ.
(12) وضع وأوضع: أسرع في سيره ومنه قوله تعالى: (لأوضعوا خلالكم).
(13) المعالم جمع معلم وهو الأثر الذي يستدل به على الطريق.
(14) جبلة بن الأيهم آخر ملوك غسان، أسلم في زمن عمر وقدم المدينة في أهبة الملك وفرح المسلمون في قدومه وإسلامه وحضر الموسم من عامه فبينما هو يطوف في البيت إذ وطئ على إزاره رجل من بني فزارة فحله فلطمه فهشم أنفه فاستعدى عليه الفزاري عمر وطلب إليه عمر أن يرضي الفزاري أو يقيده فأخذته العزة بالإثم واجتمع قوم جبلة وبنو فزارة، فكادت تكون فتنة، فقال جبلة: أمهلني إلى غد يا أمير المؤمنين، قال: ذاك لك فلما كان جنح الليل خرج هو وأصحابه فلم يئن حتى دخل القسطنطينية على هرقل فتنصر وأعظم هرقل قدومه وسر به انظر تفصيل القصة في العقد الفريد لابن عبد ربه 2 / 56.
(15) مثل يضرب ومعناه ليس هذا مكانك فاتركه وعش الطائر موضعه وهو الذي يكون في أفنان الأشجار يجمعه من دقاق العيدان وغيرها فإذا كان في جبل أو جدار أو نحوهما فهو وكر وكن، والدرج: المشي بتقارب خطو.
(16) المقطعات برود قصار موشاة ولا واحدا له من لفظه.
(٢٢١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 216 217 218 219 220 221 222 223 224 225 226 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 المقدمة 5
2 آمنة القزوينية - إبراهيم القطيفي - البحراني - الخطي - أحمد الدندن - الصحاف 7
3 أحمد مسكويه 8
4 أحمد آل عصفور - البحراني 19
5 أحمد بن حاجي - الدرازي - الدمستاني - المتنبي 20
6 أحمد القطيفي 32
7 أحمد الغريفي 33
8 أحمد عصفور - الزاهد - الخطي - البحراني 41
9 أحمد البحراني - الزنجي - البلادي - العقيري 42
10 أحمد القطيفي - آل عصفور - الشايب - المصري 43
11 أحمد الصاحب 45
12 أحمد البحراني - الأحوص - إدريس الثاني 46
13 إدريس الأول 49
14 إسماعيل الصفوي 50
15 أم كلثوم القزوينية - أمانت 68
16 أويس الأول - أيوب البحراني - بابر 69
17 باقر الدمستاني - بيرم خان خانان 70
18 جارية بن قدامة السعدي 71
19 جعفر القطاع - البحراني 77
20 جواد علي - جويرية - حبيب بن قرين 78
21 حرز العسكري - حسن عصفور - القطيفي 79
22 الحسن الوزير المهلبي 81
23 حسن الدمستاني 92
24 الحسين النعالي - معتوق - آل عصفور 93
25 حسن الحيدري - البلادي - الحسين ابن خالويه 95
26 حسين الغريفي - البحراني - الماحوزي 98
27 الحسين الطغرائي 99
28 حسين الفوعي - القزويني 104
29 حسين نور الدين - الحسين بن سينا 105
30 حمد البيك 120
31 خلف آل عصفور - الخليل بن أحمد الفراهيدي 134
32 داود البحراني 138
33 درويش الغريفي - رقية الحائرية - رويبة - السائب - الأشعري - سعد صالح 139
34 سعيد حيدر 140
35 سليمان الأصبعي 151
36 شبيب بن عامر - صالح الكرزكاني - صخير 152
37 صدر الدين الصدر - طاشتكين 153
38 عبد الإمام - عبد الجبار - عبد الرؤوف - عبد الرضا - عبد الحسين القمي - ابن رقية 154
39 عبد الرحمان الهمداني - ابن عبيد 155
40 عبد الرحمان النعماني - عبد السلام بن رغبات ديك الجن 156
41 عبد الله الحلبي - عبد علي عصفور 158
42 عبد علي القطيفي - عبد العلي البيرجندي - عبد الغفار نجم الدولة 159
43 عبد الكريم الممتن 160
44 عبد الله المقابي - الحجري - البحراني - الكناني - الأزدي - ابن وال - الأزدي 162
45 عبد الله النهدي - الأحمر - عبد المحسن اللويمي 163
46 عبد النبي الدرازي - عبيد الله بن الحر الجعفي 164
47 عبيدة - عدنان الغريفي 172
48 علي الأحسائي - البحراني - المقابي - جعفر - الدمستاني 173
49 علي الصالحي - ابن الشرقية 174
50 علي بن المؤيد 176
51 علي باليل 183
52 سيف الدولة الحمداني - ابن بابويه 185
53 علي الغريفي 196
54 علي نقي الحيدري - ابن أسباط - الصحاف 201
55 علي الحماني 202
56 علي بن الفرات 211
57 علي التهامي 213
58 عمر بن العديم 218
59 عيسى عصفور - قيس بن عمرو النجاشي 220
60 كريب - مال الله الخطي - ماه شرف 222
61 محسن عصفور - محمد الأسدي 223
62 محمد الكناني 226
63 محمد بن أحمد الفارابي 227
64 محمد البيروني 232
65 محمد الدمستاني - السبعي - الشويكي - الخطي - السبزواري 245
66 محمد النيسابوري - الشريف الرضي محمد بن الحسين 246
67 محمد الكرزكاني - المقابي 281
68 محمد بن أبي جمهور الأحسائي 282
69 محمد البحراني - البرغاني 286
70 محمد تقي الفشندي - آل عصفور - الحجري - الهاشمي 287
71 محمد جواد دبوق - المقابي - البحراني - آل عصفور 297
72 محمد عباس الجزائري 298
73 محمد علي البرغاني 299
74 محمد صالح البرغاني 300
75 محمد قاسم الحسيني - البغلي 305
76 محمد علي الأصفهاني - محمد كاظم التنكابني - محمد محسن الكاشاني 308
77 محمد محسن العاملي - محمد مهدي البصير - محمد النمر 309
78 محمود بن الحسين كشاجم 312
79 مرتضى العلوي - مغامس الحجري - مصطفى جواد 322
80 معتوق الأحسائي 327
81 معد الموسوي - معقل بن قيس الرياحي 328
82 مهدي الحكيم 330
83 مهدي بحر العلوم 330
84 مهدي المازندراني - الحيدري 333
85 منصور كمونة 336
86 مهدي الكلكاوي - محمد طاهر الحيدري - محمد بن مسلم الزهري - خاتون - معمر البغدادي - محسن الجواهري 337
87 ناصر الجارودي - حسين - نصر النحوي - المدائني - القاضي النعمان 338
88 نعمة الله الجزائري - نعيم بن هبيرة 342
89 نوح آل عصفور - نور الدين القطيفي - هبة الله ابن الشجري 343
90 هشام الجواليقي - يحيى الفراء 344
91 يعقوب الكندي 349
92 يوسف بن قزغلي 355
93 ملحق المستدركات - صلاح الدين الأيوبي 356
94 الخراسانية والمتشيعة 361
95 العرب والمأمون ثم البويهيون 364
96 سعد صالح 367
97 صلاح الدين وخلفاؤه - إسماعيل الصفوي 368
98 ابن جبير في جبل عامل 370