الاحكام - ابن حزم - ج ٨ - الصفحة ١١٣٨
وقال النواس بن سمعان: أقمت بالمدينة سنة لا أهاجر، يريد لا أبايع على الهجرة، لأننا كنا إذا هاجر أحدنا لم يجز له أن يسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن شئ أو كلاما هذا معناه. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: أعظم الناس جرما في الاسلام من سأل عن شئ لم يحرم فحرم من أجل مسألته، وقد قال صلى الله عليه وسلم: اتركوني ما تركتكم، فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة مسائلهم واختلافهم على أنبيائهم، ولكن إذا نهيتكم عن شئ فاجتنبوه، وإذا أمرتكم بشئ فأتوا منه ما استطعتم فبطل اعتراض هذا المعترض.
فصل قال أبو محمد: ونحن موردون إن شاء الله تعالى ما في القرآن من النهي عن القول بالعلل في أحكام الله عز وجل وشرائعه، فكتاب الله تعالى هو الحق الذي يقذف بالحق عن الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق، ومن أبى ذلك ختمنا له الآية، وهو قوله تعالى: * (ولكم الويل مما تصفون) *.
قال أبو محمد: قال الله تعالى: * (وليقول الذين في قلوبهم مرض والكافرون ماذا أراد الله بهذا مثلا كذلك يضل الله من يشاء ويهدي من يشاء) * فأخبر تعالى أن البحث عن علة مراده تعالى ضلالا، لأنه لا بد من هذا، أو من أن تكون الآية نهيا عن البحث عن المعنى المراد، وهذا خطأ لا يقوله مسلم، بل البحث عن المعنى الذي أراده الله تعالى فرض على كل طالب علم، وعلى كل مسلم فيما يخصه فصح القول الثاني ضرورة ولا بد.
وقال الله تعالى: * (فعال لما يريد) *، وقال تعالى: * (لا يسئل عما يفعل وهم يسئلون) *.
قال أبو محمد: وهذه كافية في النهي عن التعليل جملة، فالمعلل بعد هذا عاص لله عز وجل، وبالله نعوذ من الخذلان.
وقال تعالى: * (ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين ئ فوسوس لهما الشيطان ليبدي لهما ما ووري عنهما من سوأتهما وقال ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين ئ وقاسمهما إني لكما لمن الناصحين ئ فدلاهما بغرور فلما ذاقا الشجرة بدت لهما سوأتهما وطفقا يخصفان عليهما من
(١١٣٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 1133 1134 1135 1136 1137 1138 1139 1140 1141 1142 1143 ... » »»
الفهرست