الاحكام - ابن حزم - ج ٨ - الصفحة ١١٣٩
ورق الجنة وناداهما ربهما ألم أنهكما عن تلكما الشجرة وأقل لكما إن الشيطان لكما عدو مبين ئ قالا ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين) *.
قال أبو محمد: وقال الله تعالى حاكيا عن إبليس إذ عصى وأبى عن السجود أنه قال: * (أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين) *.
فصح أن خطأ آدم عليه السلام إنما كان من وجهين: أحدهما: تركه حمل نهي ربه تعالى عن الوجوب. والثاني: قبوله قول إبليس أن نهي الله عن الشجرة إنما هو لعلة كذا. فصح يقينا بهذا النص البين أن تعليل أوامر الله تعالى معصية، وأن أول ما عصى الله تعالى به في عالمنا هذا القياس، وهو قياس إبليس على أن السجود لآدم ساقط عنه، لأنه خير منه، إذ إبليس من نار وآدم من طين، ثم بالتعليل للأوامر كما ذكرنا، وصح أن أول من قاس في الدين وعلل في الشرائع فإبليس. فصح أن القياس وتعليل الاحكام دين إبليس، وأنه مخالف لدين الله تعالى، نعم ولرضاه، ونحن نبرأ إلى الله تعالى من القياس في الدين، ومن إثبات علة لشئ من الشريعة، وبالله تعالى التوفيق.
وقال الله عز وجل حاكيا عن قوم من أهل الاستخفاف أنهم قالوا إذا أمروا بالصدقة: * (أنطعم من لو يشاء الله أطعمه) *.
قال أبو محمد: فهذا إنكار منه تعالى للتعليل، لأنهم قالوا: لو أراد الله تعالى إطعام هؤلاء لاطعمهم دون أن يكلفنا نحن إطعامهم. وهذا نص لا خفاء به، على أنه لا يجوز تعليل شئ من أوامره، وإنما يلزم فيها الانقياد فقط وقبولها على ظاهرها.
وقال تعالى: * (فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم) * فهم ظلموا فحرمت عليهم، ونحن نظلم فلم تحرم علينا الطيبات التي أحلت لنا، وقال عليه السلام: إننا سنركب سنن أهل الكتاب لو دخلوا جحر ضب لدخلناه فصح أننا ظلمنا كظلمهم، ولم يحرم علينا ما حرم عليهم، فبطل التعليل جملة، إذ لو كان ظلمهم علة التحريم لوجب أن يكون ظلمنا علة فينا لمثل ذلك، فلما لم يكن هذا كذلك، علمنا أن الله تعالى جعل ظلمهم سببا لان حرم عليهم ما حرم، ولم يجعل ظلمنا سببا لان يحرم علينا مثل ذلك، فصح أنه يفعل ما يشاء في مكان ما من أجل شئ ما، ولا يفعل ذلك في مكان آخر من أجل مثل ذلك الشئ بعينه، وهذا
(١١٣٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 1134 1135 1136 1137 1138 1139 1140 1141 1142 1143 1144 ... » »»
الفهرست