الاحكام - ابن حزم - ج ٨ - الصفحة ١١٤١
قال أبو محمد: وهذا قول فاسد، لان جميع أحكام الشريعة كلها أصول، فإن كانوا عنوا بذلك أن الصلاة جملة أصل جامع ثم النوازل فيها فروع فهذا سوء عبارة لان اسم الصلاة يقع على عملها كله فتلك النوازل إنما هي أجزاء من الصلاة، ولا تسمى أجزاء الشئ فروعا له، لان الفرع غير الأصل، والاجزاء ليست غير الكل. فبطل ما موهوا به من تقسيمهم الشريعة على فروع وأصول، وصح أن جميع أحكام الشريعة كلها سواء وأصول، ولا يوجد شئ منها إلا عن قرآن أو عن الرسول صلى الله عليه وسلم أو عن إجماع.
ونص تعالى عن ألا يقرب المشركون المسجد الحرام، فقال بعضهم: إن علة ذلك تطهير المسجد الحرام منهم، فأجروا ذلك في كل مسجد، فكان يلزمهم وإذا لزم الحج إلى مكة، أن يلزم إلى المدينة لان مسجد المدينة والمدينة عند القائلين بما ذكرنا أفضل من مسجد مكة ومن مكة، وهذا إن طردوا فيه أصولهم كفروا، فإذا ادعوا الاجماع المانع لهم من ذلك قيل لهم: لا عليكم قيسوا إيجاب جزاء الصيد بالمدينة وحرمه، فقد قال بذلك بعض التابعين من الأئمة. وقيسوا الجزاء فيما حرم قطعة من شجر الحرم على الجزاء فيما حرم صيده من صيد الحرم، فإن لم يفعلوا فقد تناقضوا وتركوا إجراء العمل، وتركوا القياس، وتركوا أن يتعدوا النص، ولو فعلوا هذا في كل مسائلهم لاهتدوا ولنجوا من ضلال القياس وفتنته.
وقالوا: إن علة الحدود الزجر والردع.
قال أبو محمد: كذبوا في ذلك إذا كان ذلك لما جاز العفو في قتل النفس ولم يجز العفو في الزنى بالأمة وفي السرقة، ولو كان ذلك لما كانت السرقة أولى بوجوب حد محدود فيها من الغضب، ولا كانت الخمر أولى بذلك من لحم الخنزير ومن الربا، ولا كان الزنى أولى بذلك من القذف بالكفر، أو بترك الصلاة، ولا كان الزنى بذلك أولى من ترك الصلاة، فظهر كذب دعواهم في ذلك، والحمد لله رب العالمين.
وقالوا: إن علة القصر في الصلاة في السفر إنما هي المشقة، فلذلك حدت بيوم ويومين وثلاثة أيام، على اختلافهم في ذلك.
(١١٤١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 1136 1137 1138 1139 1140 1141 1142 1143 1144 1145 1146 ... » »»
الفهرست