الاحكام - ابن حزم - ج ٨ - الصفحة ١١٤٦
وهي أيضا أصل لقول من قال: إن للعالم لم يزل وخالقه تعالى لم يزل، لأنهم جعلوا علة الخلق وجوده تعالى، ووجوده لم يزل، فخلقه لم يزل.
وهي أيضا أصل لقول من قال: بأن العالم له خالقان، من المانية والديصانية لأنهم قالوا: تعالى الله عن أن يفعل شيئا من غير الحكمة، ولغير مصالح عباده، فصح بذلك عندهم أن خالق السفه والشر ومضار العباد خالق آخر، تعالى عن ذلك علوا كبيرا.
وهي أيضا أصل لقول من قال بالتناسخ، لأنهم قالوا: محال أن يعذب الحكيم من لم يذنب، وأن يفعل شيئا إلا لعلة، ومحال أن يعذب أقواما ليعظ آخرين، أو ليجازي بذلك آخرين، أو ليجازيهم بذلك، وهو قادر على المجازاة بلا أذى، ذلك هذا عبث فيما بيننا، فلما رأيناه تعالى يعذب الأطفال بالجدري والقروح والجوع، ويسلط بعض الحيوان على بعض، علمنا أن ذلك لذنوب تقدمت لا نفس ذلك الحيوان وأولئك الصبيان، وأنهم قد كانوا بالغين عصاه قبل أن تنسخ أرواحهم في أجسام الصبيان والحيوان.
وهي أيضا أصل لقول من أبطل النبوات كالبراهمة ومن اتبعها، فإنهم قالوا: ليس من الحكمة أن يبعث الله تعالى نبيا إلى من يدري أنه لا يؤمن به.
قال أبو محمد: ثم حسدتهم المعتزلة على هذه القضية فأخرجوا على حكم الله تعالى وعن خلقه وقدرته وجميع أفعال العباد، فضلوا ضلالا بعيدا، وأثبتوا خالقين كثيرا غير الله تعالى.
وسلم الله تعالى من هذه البلية أهل الاثبات، فنفس عليهم إبليس اللعين عدو الله السلامة، فبغي لهم الغوائل، ونصب لهم الحبائل، ووسوس لهم القول بالعلل في الاحكام، فوقعوا في القضية الملعونة التي ذكرنا.
وأصحب الله تعالى عصمته منها أصحاب الظاهر فثبتوا على الجادة المثلى، وتبرؤوا إلى الله تعالى من أن يتعقبوا عليه أحكامه أو أن يسألوه لم فعل كذا، أو أن يتعدوا حدوده، أو أن يحرموا غير ما حرم ربهم، أو أن يوجبوا غير ما أوجب تعالى، أو أن يحلوا غير ما أحل عز وجل، ولم يتجاوز ما أخبرهم به نبيهم صلى الله عليه وسلم فاهتدوا بنور الله التام، الذي هو العقل، الذي به تعرف الأمور على ما هي عليه،
(١١٤٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 1141 1142 1143 1144 1145 1146 1147 1148 1149 1150 1151 ... » »»
الفهرست