الاحكام - ابن حزم - ج ٨ - الصفحة ١١٤٨
غيرها، بل فعل ما فعل كما شاء، ولم يفعل ما لم يفعل كما لم يشأ فبطل تشبيههم أفعال الحكيم منا بأفعال الباري تعالى.
وأيضا: فإنا لم نسم الله تعالى حكيما من طريق الاستدلال أصلا، ولا لان العقل أوجب أن يسمى تعالى حكيما، وإنما سميناه حكيما لأنه سمى بذلك نفسه فقط، وهو اسم علم له تعالى لا مشتق، ويلزم من سمى ربه تعالى حكيما من طريق الاستدلال أن يسميه عاقلا من طريق الاستدلال، وقد بينا فساد هذه الطريقة وبطلانها وضلالها في كتاب الفصل فبطلت قضيتهم الفاسدة جملة، وصح أنها دعوة فاسدة منتقضة.
وأما قولهم: إنه تعالى يفعل الأشياء لمصالح عباده فإن الله تعالى أكذبهم بقوله:
* (وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خسارا) * فليت شعري أي مصلحة للظالمين في إنزال ما لا يزيدهم إلا خسارا، بل ما عليهم في ذلك إلا أعظم الضرر وأشد المفسدة، ولقد كان أصلح لهم لو ينزل، وما أراد الله تعالى بهم مصلحة قط، ولكنهم من الذين قال تعالى فيهم: * (ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا) *.
قال أبو محمد: ويقال لهم المصلحة جميع عباده فعل تعالى ما فعل؟ أم لمصلحة بعضهم.
فإن قالوا لمنفعة جميعهم كابروا وأكذبهم العيان، لان الله تعالى لم يبعث قط موسى عليه السلام لمنفعة فرعون ولا لمصلحته، ولا بعث محمدا صلى الله عليه وسلم لمنفعة أبي جهل ولا لمصلحته، بل لمضرتهما ولفساد آخرتهما ودنياهما، وهكذا القول في كل كافر، لو لم يبعث الله من كذبوه من الأنبياء لكان أصلح لدنياهم وآخرتهم.
وأيضا فلا شئ في العالم فيه مصلحة لانسان إلا وفيه مضرة لآخر، فليت شعري ما الذي جعل الصلاح على زيد بفساد عمرو حكمه؟ وكل من فعل هذا بيننا فهو سفيه، بل هو أسفه السفهاء، والله تعالى يفعل كل ذلك وهو أحكم الحكماء، فيلزمهم على قياسهم الفاسد. وأصلهم الفاضح أن يسفهوا ربهم تعالى، لأنه عز وجل يفعل ما هو سفه بيننا لو فعلناه نحن، وقد وجدنا من أغرى بين
(١١٤٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 1143 1144 1145 1146 1147 1148 1149 1150 1151 1152 1153 ... » »»
الفهرست