الاحكام - ابن حزم - ج ٨ - الصفحة ١١٥٩
ولكن قد قال الله تعالى * (وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم) * فصح بالنص ان الخطأ مرفوع عنا فمن حكم بقول ولم يعرف انه خطأ وهو عند الله تعالى خطأ فقد أخطأ ولم يتعمد الحكم بما يدرى انه خطأ فهذا لا جناح عليه في ذلك عند الله تعالى وهذه الآية عموم دخل فيه المفتون والحكام والعاملون والمعتقدون فارتفع الجناح عن هؤلاء بنص القرآن فيما قالوه أو عملوا به مما هم مخطئون فيه وصح ان الجناح انما هو على من تعمد بقلبه الفتيا أو التدين أو الحكم أو العمل بما يدرى انه ليس حقا أو بما لم يقده إليه دليل أصلا وصح بهذه الآية ان من قام عنده برهان عل بطلان قول فتمادى عليه فهو في جناح لأنه قد تعمد بقلبه ذلك وكذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اجتهد الحاكم فأخطأ فله أجر وإذا اجتهد فأصاب فله أجران وقد ذكرنا بإسناده فيما سلف من كتابنا هذا فأغنى عن إعادته فنص رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن الحاكم إذا أخطأ في اجتهاده فله أجر فيما أداه اجتهاده إلى أنه حق عنده وأسقط عنه بذلك الاثم وإن كان مخطئا في الحقيقة عند الله تعالى.
قال أبو محمد واعتقاد الشئ والعمل به والفتيا به حكم به فدخل هؤلاء تحت لفظ الحديث المذكور وعمومه فصح ما ذكرنا وبالله تعالى التوفيق قال أبو محمد: ثم ينقسم المخطئ المجتهد قسمين لا ثالث لهما إما مخطئ معذور كما قلنا وما مخطئ غير معذور على ما شهد به قول الله تعالى * (وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم) * ان المخطئ المعذور هو الذي لم يتعمد الخطأ وهو الذي يقدر انه على حق باجتهاده وان المخطئ غير المعذور هو من تعمد بقلبه ما صح عنده انه خطأ أو قطع بغير اجتهاده.
قال أبو محمد فإذا قد صح كل هذا بالنص فلنعده باختصار فنقول وبالله تعالى التوفيق.
إن المجتهدين قسمان إما مصيب مأجور مرتين، وإما مخطئ والمخطئ قسمان:
مخطئ معذور مأجور مرة وهو الذي أداه اجتهاده إلى أنه على حق عنده ومخطئ غير معذور ولا مأجور ولكن في جناح وإثم وهو من تعمد القول
(١١٥٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 1154 1155 1156 1157 1158 1159 1160 1161 1162 1163 1164 ... » »»
الفهرست